جلال محمد
في زمن الحوثي.. بيت الثقافة تحول إلى صالة بيع ملابس
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، تلاشى دور الثقافة تدريجياً، ومع اتساع دائرة العنف وتضييق الخناق على المثقفين والرقابة الشديدة المفروضة على كل منتدى أو مجلس ثقافي، أو لقاء فكري، أصبحت الحياة الثقافية غائبة عن المشهد عدا تلك الأنشطة التي تُقام لتمرير أجندة وفكر الجماعة الحوثية.
وخلال سنوات الحرب والدمار بات المثقف اليمني معزولاً عن محيطه الثقافي، ونتيجة لتردي الأوضاع المعيشية بات بعيداً عن أي نتاج فكري أو إبداعي، فقد نجحت الحرب وتجارها في تحويل كل فكره وتجلياته نحو لقمة العيش، وأعباء الحياة، فمنهم من انتقل إلى الدار الآخرة وقلبه مثقل بالأحزان، ومنهم من لا يزال يصارع مآسي العوز والفقر، والعجز حتى عن دفع إيجار شقته التي يسكنها، فضلاً عن سماعه لعبارات الازدراء من قبل (مشرفي) الجماعة، بحجة أنهم لم يقدموا رسالة ثقافية (دينية) تحمل فكر التطرف العرقي (الاصطفاء)، وأن نتاجهم كان قشوراً بلا لب، وثرثرة بلا معنى!! ولم تكتف الجماعة بما فعلته من تسقيط وإسقاط للثقافة والمثقفين، ووقف الأنشطة والفعاليات، وإغلاق أي مركز يتحدث أو يناقش أموراً لا تروق للجماعة، كما حدث منذ سبتمبر 2021, عندما أغلقت الجماعة مركز منارات، بسبب مناقشته عبر نخبة من الأكاديميين والمثقفين ضرورة الوصول إلى سلام، ودور المجتمع والمنظمات المدنية في بناء ثقافة السلام واستدامته، ولا زال المركز مغلقاً حتى اليوم.
إن حقيقة ما يعانيه المثقفون في صنعاء من حرمان معرفي، نتيجة لغياب المجلات والملاحق الثقافية المحلية، إضافة إلى انقطاع المجلات العربية التي كانت تُستورد سابقاً، وإغلاق المراكز والمنتديات الفكرية، تعتبر مأساة ومصيبة كبرى بحق نخبة المجتمع ومفكريه، بل وصل الأمر أن يتم إفراغ بيت الثقافة في شارع القصر، من الكتب ومن مهمته الثقافية وتحويله إلى صالة عرض للملبوسات، بحجة احتضانه مهرجان بيع ملابس بأسعار رخيصة تحت مسمى (عمل خيري)، وكأن الساحات والأماكن الحكومية المخصصة لهكذا أنشطة غير موجودة.
لا غرابة أبداً في ما ترتكبه الجماعة الحوثية بحق مرافق الدولة، وتحويلها لكل منشأة فكرية إلى صالات عرض أو أندية خاصة، كما جرى تحويل نادي ضباط الشرطة من ناد مخصص لمنتسبي الداخلية إلى ناد ترفيهي خاص ممنوع دخول حتى الضباط إلا باشتراك، وكذلك نادي ضباط القوات المسلحة الذي حولوه لمنتزه (سام السياحي)، واليوم بيت الثقافة الذي تحول إلى صالة بيع ملابس.
لا غرابة أبداً في كل ما يجري، فهذه الجماعة لا تعرف معنى ثقافة سوى ثقافة الدم، ولا تعترف بالدولة ما لم تكن ملكية خاصة يغيرون ويبدلون فيها ما أرادوا، ولن يعترفوا بالشعب ما لم يكن خانعا مطيعاً، وجنديا انتحاريا في سبيل مشروعهم الظلامي، كما لن يعترفوا بأي مثقف ما لم يكن بوقاً يصدح بما يريدون، فلا ثقافة ولا تعليم ولا حرية رأي عند جماعة تتشبث بالماضي وتقدس الجهل.