لم يكن أمامه طريق آخر، سوى الانخراط في ثنايا الحرب والصراع، ليصبح أحد السائرين في ركابها وجنباتها، بدوافع العوز والاحتياج.
سليمان داوود، أو كما تعرفه الأجيال الفائتة "كشكوش"، ممثل من عمق الشعب وبسطائه وموهوبيه، وأحد أهم وأبرز الذكريات الممتعة في حياة اليمنيبن بمئات الآلاف والملايين وبشتى البقاع اليمنية.
لمع نجمه عاليًا في فترة الألفين وما تلاها، لكنه سرعان ما ضاع في متاهات الغياب، ليجد نفسه في النهاية محاصرا بين شهرة عارمة، وواقع تعيس لا يقدم له شيئا، واقع جثم على روحه وأرغمها على الرضوخ والانغماس.
مسلسل كشكوش، في حياة سليمان داوود، كان بمثابة طفرة منحته الشهرة، لكنها أخذت منه أشياء لاحقة، لم يستطع بعدها الحصول على نجومية أخرى بمسلسل آخر، لكنه بقي حبيس الطفولة والسخرية في عقول الناس والمنتجين، كأنه عقاب من نوع متقدم عن تضحيته في دور كشكوش.
ربما الأمر يتعلق بشهرته الكاسحة آنذاك، وربما هي نتيجة فكرة واحدة اكتفى الجمهور بتدوينها في عقولهم عنه، ليجد نفسه بعد عشرين عامًا متروكًا في بيته وحارته بلا عمل، وبلا لقمة محترمة لعيش أبناءه، في ظل واقع تحاصره الحرب من كل الاتجاهات، في وقت ذهب فيه الكثير من الممثلين للبحث عن أدوار أخرى، بعضهم صاروا نجومًا للسوشيال ميديا يجمعون التبرعات ويبكون على المحتاجين، وآخرين استمروا في التمثيل بأبسط المشاهد وأقل الاستحقاقات.
حدث هذا بعد وفاة أغلب نجوم الدراما اليمنية، ليخلفهم نجوم آخرون أخذوا الأضواء، واستولوا على المشهد الدرامي برمته.
في السنوات الأولى من الحرب، بإحدى حارات حي تونس بصنعاء، كان بإمكانك أن تجد سليمان داوود يعيش في زوايا الفراغ هناك، من رصيف إلى رصيف، ومن مكان إلى مكان، لزاوية مقابلة، يجلس مع الجالسين ويسير مع المتجولين، بلا عمل وبلا أدوار، وبلا نجومية شعبية في مواقع التواصل الاجتماعي.
كل الجهات أمامه كانت مسدودة، وكل الفرص صارت محتكرة، وكل السبل كانت غائبة عن واقعه وقدراته، لكنها الحرب، من تملأ الأرجاء وتستفرد بها.
الحرب من تمنح العديد من الفرص والأدوار، وأمامها وجد سليمان داوود نفسه مرغمًا على أكل عيشه في جوانبها وصراعها، انخرط مكرهًا ومُروجًا لضرورة الانتصار والاقتتال، وهكذا وجد طعامه وحياته، وقوت أيامه وعياله، من جبهة إلى أخرى، ومن معركة قريبة لمعركة قادمة.
سليمان داوود، ضحية حقيقية عن الدور الواحد، والمتعة الشعبية العارمة، وأحد المظلومين والمطحونين بفعل الأنانية المفرطة والخوف الإنتاجي لكل ما هو محسوب على متعة رائجة من الماضي.
هذا الممثل ضحية الحاجة، والعوز، والانسداد المعيشي، والضرورة حينما تبيح ما لا يمكن تصوره، ليتمكن صاحبها من البقاء على قيد الحياة، في مجتمع يسير على الأنانية والاحتكار بشتى جوانبه وأدواره.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك