كما صنع السامري عجلاً لليهود يمجدونه وينحنون أمامه، متعجبين من خواره وسنامه، مع علمهم أنه صنع بشري، وصنم لا إرادة له ولا عقل، إلا أن نزعة الشر والبعد عن الله كانت هي الطاغية في قلوبهم، رغم إدراكهم في نفس الوقت واحدية الله ومصداقية نبييه (موسى وهارون)، وعدمية مطالبهم واشتراطاتهم على موسى النبي، حتى يؤمنوا معه. وهذا حدث تاريخي يعرفه الجميع، إلا أن السامري، كما يبدو، ليس شخصا محددا، وإنما صفة تحمل في طياتها معاني الغواية والانحراف، ويحدث أن يتجسد السامري كصفة في عصرنا الحديث على وجه الخصوص في مجموعة الانتهازيين من الساسة والأحزاب والنخب، ولا شك أننا في اليمن نعاني من (سامريين) كثر، إلا أن تمركزهم الشديد يبقى داخل جماعات الإسلام السياسي، والتي تصنع بين كل فترة وأخرى عجولاً وتوحي للأتباع والمريدين بالالتفاف حولها، وتكوين هالة حولها، حتى وإن كان تلك الهالة مزيفة، كما هو بالطبع حال الفكر المؤدلج الذي يمضي عليه الأتباع دون وعي وتفكير منطقي وعقلاني في الحقيقة.
الحقيقة التي ظلت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن -حزب الإصلاح- تنكرها في محافظة شبوة وجندت أتباعها لحرفها، وأصرت على تأليه بن عديو وتمجيده كما فعل اليهود مع عجل السامري، رافضين الاستماع لصوت الشارع الشبواني، كما رفض ابن عديو المحافظ المقال أن يكون محافظاً لكل أبناء شبوة، خادما لمصلحة اليمن ومعركته المصيرية، وأصر أن يكون محافظاً شللياً متحزبا، محافظا لمصالح الإصلاح وقياداته، ومعرضاً شبوة ومجتمعها للانقسام وصولاً لتسليم بعض مديريات المحافظة لجماعة الحوثي، وفق مخطط التخادم بين (الإصلاح والحوثي)، وتفرغ المحافظ المقال والقوى الأمنية التابعة لحزبه للتنكيل بأبناء شبوة وقبائلها، ومنخرطاً بكل غباء في اختلاق معارك وهمية والترويج لبطولات شخصية متخذاً من بلحاف ومينائه وسيلة لدغدغة مشاعر من تنطلي عليهم حيل الإخوان، ويوماً بعد آخر كانت مجاميع الإصلاح وذبابه الإلكتروني يصنعون "صنماً وعجلاً" يتغنون باسمه ومنجزاته المضحكة والتي لا تعدو سوى ترميم لمرافق حكومية بنيت في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتمت سرقتها جهاراً نهاراً ونسبها لإله الإصلاح في شبوة.
اليوم وبعد صدور قرار إقالة (مشرف) الإصلاح في شبوة محمد صالح بن عديو، والذي يأتي ضمن رغبة جادة على ما يبدو لدى الشرعية والتحالف والمجتمع الدولي عموماً لتنفيذ اتفاق الرياض وليس كما يروج الإصلاحيون بأنه مطلب سعودي أو إماراتي، ومهما قال الإصلاح وفبرك ناشطوه فلن يجدي ذلك نفعاً، فالمؤشرات تدل على رغبة قوية لإعادة ترتيب وضع الشرعية وتنفيذ الاتفاق الذي تلكأت جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها المسيطرة على الشرعية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في تنفيذه، ولن يكون هناك أي حساب لحالة النزق و(البكائيات) واللطميات التي يفتعلها الإصلاح، ولن تؤثر نداءات ومطالبات كتاب ومثقفي وقيادات وسطية في الإصلاح بتسليم مأرب وغيرها للحوثي، رغم أنه لا يخالج أي مواطن أدنى شك حول تسليم الإصلاح جبهات ومحافظات ومعسكرات والوية كاملة للحوثيين ضمن صفقات الخيانة المعمول بها والمبرر لها لدى الإصلاح، ولعل من محاسن الأمور أن يزداد يقين الناس بأن الإصلاح ومجاميعه ومليشياته لا يهمهم الوطن، وليس في وارد خططهم تحريره، همهم الأول هو السلطة وشفط ثروة البلاد، وممارسة سادية الإقصاء والتنكيل بالآخر المختلف فكريا أو سياسياً معهم، والمهزلة الكبرى لدى الحزب قيادةً وأتباعا أنهم يتهمون الآخرين بتقديس (الشخصيات) فوق الوطن، ولا ينظرون إلى واقعهم الذي يثبت أنهم يؤلهون شخصياتهم ومستعدون لبيع كل القيم والمبادئ والثوابت في سبيل تلك الشخصيات.
عموماً لقد سقط (هبل) الإصلاح وعجلهم في شبوة، واستطاعت الشرعية ولو متأخراً الإنصات لأصوات أبناء شبوة التي بحت وهي تنادي للفت الأنظار حول كارثية أفعال بن عديو وحزبه، وتبقى المهام الأولى أمام القيادة الشبوانية الجديدة تحرير أرضها من الكهنوت الحوثي، وتحصينها من المؤامرات والاختلالات الأمنية التي ستفتعلها أذرع الإصلاح وخلاياه وحلفاؤه القاعديون.