خلال أيام قليلة اتفقت قنوات إسطنبول وشقيقاتها من المواقع الإلكترونية والصحفية على اختراع توصيف مشوه لثورة أبناء حضرموت ضد ناهبي ثرواتهم.
هذه الثورة التي تمثل استمراراً للثورة الجنوبية السلمية التي انطلقت في العام 2007م وما تزال تواصل مسيرتها بوسائلها الجديدة التي تتغير تبعاً للمتغيرات الجارية على الساحة السياسية، وتبعاً لطبيعة التحديات التي تتخذ في كل مرحلة تمظهراتها المختلفة.
في البداية احتار القائمون على إعلام إسطنبول وتفرعاته في التعامل مع الهبة الحضرمية الثانية، كما أشرت في منشور سابق، فلا هم استطاعوا أن يقفوا ضد هذه الهبة المباركة فيخسروا رهانهم على أن أبناء حضرموت "وحدويون" كما ظلوا يحاولون إرشاءهم بهذا التعبير المُفَخَّخ، ولا هم أيدوا مطالب الجماهير الحضرمية العادلة وبذلك سيدخلون في تناقضٍ مع أهدافهم وأهداف من يقودونهم ويمولون أنشطتهم وأدواتهم الإعلامية المنتشرة كالذباب.
إذ أن هؤلاء الممولين هم المتضررون من الهبة الحضرمية التي استهدفت وقف النهب والعبث بالثروات النفطية والغازية والمعدنية الحضرمية.
في حين يفتقد أبناء حضرموت للتر البنزين واسطوانة الغاز ناهيك عن رداءة وانعدان الخدمات وحالة الإفقار الحادة التي تتعرض لها أغنى منطقة بالثروات في جنوب الجزيرة العربية.
وأخيراً استقرت قنوات إسطنبول وتفرعاتها المحلية والمهاجرة، على تسمية الهبة الحضرمية بــ"قطاع قبلي" وراحت تروج لهذه التسمية لتقنع المتابعين بأن أبناء حضرموت عبارة عن قبيلة تقطع الطريق على خلفية ثأر قبلي، وأن هذا "القطاع القبلي" هو السبب في الاختناقات التي تعيشها بعض المناطق جراء توقف تزويدها بالنفط والغاز الحضرميين، لكن هذه المراكز الإعلامية لم تقل لمتابعيها ممن يثأر هذا "القطاع القبلي الحضرمي"؟
لماذا يصر إعلام إسطنبول وأشقاؤه على تسمية الهبة الحضرمية بــ"القطاع القبلي"؟!.
هذا التوصيف ليس إعمالاً لما يترسخ في العقل الباطن لصانعي السياسات الإعلامية لهذه القنوات، لأنهم يعلمون علم اليقين أن حضرموت وكل أرض الجنوب ليس لديها إرث تاريخي مع ما يسمونه بــ"القطاعات القبلية".
فشعب اعتاد على التعامل مع قضاياه ومنازعات أهاليه باللجوء إلى القانون والنظام ومؤسسات الحكم القائمة، لا يمكن أن يلجأ إلى هذه الوسيلة المقيتة التي تنتشر في مناطق تنعدم فيها الدولة ويُحْتَقَر فيها النظام ويُزْدَرَى فيها القانون.
وتناسى هؤلاء أن من دعا إلى الهبة وصاغ برنامجها ورسم فعالياتها هو هيئة متفقٌ عليها من قبل كل أبناء حضرموت الذين هم قطاعات وفئات وشرائح اجتماعية وقوى سياسية ومناطق وجهات ووجاهات ومنظمات مجتمعية تعبر عن كل الشعب في تلك المحافظة المترامية الأطراف، وهم مسنودون من قبل الغالبية الساحقة من شعب الجنوب بملايينه الستة.
كنت ذات مرة قد أشرت إلى أن القائمين على هذه الوسائل الإعلامية وصناع سياساتها يعملون بمبدأ "غباء ينفعك أفضل من ذكاء يضرَّك".
ومن هذا المنطلق اخترع هؤلاء مسمى "القطاع القبلي" كوسيلة (غبية) ليتحاشوا بها الوقوع في مطب (الذكاء) الذي سيجعلهم يعترفون بأن ما يجري في حضرموت هو انتفاضة شعبية بمطالب حقوقية واقتصادية ذات خلفية سياسية.
حيث إن أبناء حضرموت يرفضون سياسات السلب والنهب والعبث بثرواتهم وخيراتهم وحقوقهم وحقوق أبنائهم وأحفادهم، على خلفية السياسات التي اتبعها أساطين 1994م مع كل الشعب الجنوبي بعد اجتياحهم البربري لأراضيه وتدميرهم لدولته في ذلك العام البغيض.
وخلاصة القول:
إن الهروب من الاعتراف بالهبة الحضرمية كانتفاضة شعبية ذات خلفيات سياسية واجتماعية، إلى مسمى "القطاع القبلي"، لا يعكس إلا ثقافة "قطع الطريق" وعقلية "الثأر القبلي" لدى مروجي هذا المفهوم، لكنه بجانب ذلك يمثل محاولة للخروج من المأزق الذي وضع فيه أبناء محافظة حضرموت أساطين الغزو وحيتان السلب والنهب الذي فرضه شرعيو 1994م على الشعب الجنوبي بقذائف المدافع وفوهات الدبابات وبيادات العسكر ولحى وفتاوى تجار الدين والمستثمرين في الإرهاب والحروب.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك