منذ قرابة الشهر كنت قد نشرت مقالا على هذه الصفحة بعنوان: "الكمين الرابض في وادي حضرموت"، أشرت فيه إلى أن القوات المعروفة بالمنطقة العسكرية الأولى، التي تضم وادي وصحراء حضرموت والمهرة، لم يعرف موقفها من صراع ثنائية "الشرعية – الانقلاب" حتى اللحظة.
وقلت إن هذه القوات ما تزال تعيش أيام ما قبل 2011م.
وقد تحدثت العديد من المواقع والقنوات الإخبارية عن رفض قيادة تلك المنطقة تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بالتحرك للدفاع عن مأرب في وجه الهجمة الحوثية.
وحتى لا نذهب بعيدا، فقد تحدث أحد القادة العسكريين الشماليين من القوات المؤيدة للشرعية، ومن على قناة الغد المشرق بأن أحد ضباط المنطقة العسكرية الأولى قال له: حتى لو جاءتنا الأوامر من رئيس الجمهورية بالتحرك إلى مأرب فلن نتحرك، لكن لو تلقينا أوامر بالتوجه إلى عدن فسنتحرك على الفور.
وحتى لا نغرق في الحديث المتشعب نشير إلى أن تلك القوات بألويتها وأسلحتها وتخصصاتها وأفرادها وقادتها وعدتها وعتادها لم تشهد أي تغيير منذ العام 1994م، إلا من خلال استبدال قائد سيئ بقائد أسوأ منه.
وباستثناء قائد المنطقة الذي لا أحد يعرف اسمه وربما بعض مرافقيه وقلة قليلة من الأفراد، فإن كل الضباط والقادة والمتحكمين في هذه القوات وكل الجنود والصف ليسوا من حضرموت ولا حتى من الجنوب.
أي أنهم ممن وصفهم نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر، حينما كان قائداً للفرقة الأولى مدرع، بالقوات التي استعمر بها علي عبد الله صالح الجنوب.
طوال ربع القرن المنصرم ظل وادي حضرموت وكل جغرافية المنطقة العسكرية الأولى، معزولين عن حضرموت والمهرة وعن كل البلاد شمالها وجنوبها، لأسباب عديدة ليس هذا مكان مناقشتها، لكن أهم هذه الأسباب أن تلك المنطقة هي الدجاجة التي تبيض ذهبا في جيوب النافذين وأرصدتهم البنكية وشركاتهم ومؤسساتهم الاستثمارية.
وقد قال لي مسؤول كبير ما قبل 2011م ما معناه: إنني أستطيع زيارة أية منطقة أو مؤسسة أو وزارة أو حتى معسكر من تلك المنتشرة على طول وعرض مساحة "الجمهورية اليمنية" لكنني لا أستطيع الاقتراب من قطاع نفطي واحد في صحراء أو وادي حضرموت وشبوة والمهرة، رغم أنني في موقع المسؤولية على أكبر مسؤوليها.
اليوم الهبَّة الحضرمية الثانية أرسلت عنوانا واضحا لا مواربة فيه ولا مجاز ولا استعارة أو كناية:
إن على قوات المنطقة العسكرية الأولى التحرك صوب مأرب للتصدي للعدوان الحوثي الذي يوشك أن يسقط آخر معاقل الجمهورية (كما يقول كل كتاب ومثقفي السلطة الشرعية).
ونصت قرارات الاجتماع الموسع لقيادة حلف وجامع حضرموت على أن أبناء حضرموت قادرون على حماية أرضهم والدفاع عنها، وجاء قرار تشكيل قوات دفاع من أبناء حضرموت منسجما مع هذه الحقيقة.
وللحديث عن قوات دفاع حضرمية في الوادي والصحراء، ومن أجل قطع الطريق على المزايدين والمتاجرين بقضية حضرموت وحقوق أبنائها، يمكن التوقف عند الملاحظات التالية:
• إن أية قوة مسلحة في الوادي والصحراء إنما تأتي كضرورة موضوعية لإزالة الاختلال القائم في الوضع الأمني والعسكري في هذه المنطقة الجغرافية.
فمن غير المعقول أن يظل الوضع الأمني والعسكري في الوادي والهضبة والصحراء رهن قوات دخيلة على المنطقة بينما لا يوجد بينهم أحد من أبناء تلك المنطقة.
ثم إن الألوية القائمة في الوادي لا بد أن تتحرك باتجاه مناطق المواجهة مع الحوثيين وفقا لمقتضيات ومتطلبات المعركة، ووفقا للملحق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض.
ومن هنا تأتي ضرورة تشكيل قوات دفاع رسمية من أبناء حضرموت في هذه المنطقة.
• لقد بينت تجربة النخبة الحضرمية ومثلها النخبة الشبوانية وألوية الدعم والإسناد وقوات العمالقة الجنوبية أن قضية تشكيل قوات جنوبية نظامية من أبناء المنطقة حاجة ملحة تساهم في محاربة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار والمساهمة في التصدي للمشروع الإيراني في المنطقة.
وعلى هذا يجب أن تبنى أية قوة دفاع جديدة في الوادي والصحراء.
• إن أية قوة عسكرية وأمنية في الوادي والصحراء ينبغي أن ترتبط مباشرة بالنخبة الحضرمية القائمة والاستفادة من تجربتها في عملية التدريب والتأهيل وفي فنون الاستراتيجية والتكتيك والتكنيك العسكريين وتوحيد الأهداف وخطط العمل وهذا أمر بديهي.
وادي حضرموت بعد الهبة الثانية لن يبقى ويجب أن لا يبقى كما قبلها.
فالتاريخ يتحرك ووحدهم الخاملون يبقون في نفس المكان ليرميهم التاريخ خارج قضبان مساره الأزلي، وأبناء حضرموت وكل الجنوب ليسوا من هؤلاء الخاملين ولن يكونوا.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك