لتنظيم الإخوان فرع اليمن عدو إقليمي ليست إيران وعدو (أول) داخلي ليس الحوثي، ولديه حليف خارجي استراتيجي ليست المملكة.. لكنه مع ذلك نجح في أن يأخذ الشرعية إلى حيث تُساق قوافله.
وتم كل شيء تحت رقابة استخبارات المملكة التي تبنت تكتيك الحياد (اللا إيجابي) حتى بعد أن ألحق ضرراً ببلد صاحب عاصفة الحزم وجعله عبرةً أمام دول العالم التي استوعب تلاميذها في مدارس التعليم الأساسي: أن العواصف تدوم أياماً وليس سنين.
فأين الخلل؟
كيف إذن تقود تحالفاً عربياً في مهمة تعتقد أنها حيوية ومصيرية بينما تعتمد في حربك على تنظيم “مصنف” لديك وحليف لخصومك في الإقليم؟
أي عواصف تلك التي لم يصحُ خلالها عقل عسكري استراتيجي أو سياسي او إعلامي أو حتى مخبر جائل في حارات السوشيال ميديا في الدولة القائدة ليقول لأعضاء حكومته:
كفى، طال عمركم، هناك وضع لا يجب السكوت عليه لأنه لا يحتمل المناورة أو الاحتواء أو استراتيجية الصبر؟
لقد اهتم التحالف العربي (بقيادة السعودية)، أكثر من أي مكان آخر، بالشريط الذي ينحدر من تباب نهم حتى حقول صافر واعتبرها لأسباب مختلفة منطقة استراتيجية في الحرب وأسرع الطرق إلى صنعاء، وهي بالذات المناطق التي شهدت الهزائم المدوية المتسلسلة لقوات الإخوان حتى أصبح الحوثي على أبواب مدينة مأرب!
وفي المقابل يغض التحالف البصر عن الجيوش المكدسة الرابضة على امتداد جغرافيا حيوية في الجنوب لمعرفته بأن الشرعية (الإخوان) تعتبرها أرض العطاءات التي يجب أن تنفرد بالسيطرة عليها حتى تظفر بإحدى الحسنيين: العودة إلى صنعاء على هودج بعير جمهوري، أو استخدامها كقاعدة دعم وإسناد نحو عدن والجنوب!
فما الجديد إذن؟ وهل التغيير في شبوة وتحرير مديرياتها بداية مرحلة مختلفة؟
مهما اختلف المتابعون حول أهمية التغيير في شبوة.. إلا أنه بكل المقاييس إخراج جزئي ومحدود لاتفاق الرياض من أجل بناء نموذج يتلخص في:
تغيير طفيف في إدارة بعض مناطق الجنوب مقابل بروتوكول حربي يعتمد أساساً على دماء جنوبية غزيرة في مسار “حرية اليمن السعيد”، وهي النسخة (الهايبرد) من العاصفة.
وسوف يتابع "الإخوان" في المقابل لعب دورهم المزدوج بعد أن كشفوا عن ساقهم وانقسموا تكتيكياً إلى فريقين: واحد يشكو “المظلومية وضياع السيادة واحتلال المناطق والجزر”، وآخر يبقي على علاقاته المتينة مع المملكة.
فهل تصر الأخيرة على تحييد جيوشهم المنتشرة جنوباً تحت مسمى الشرعية؟
كل شيء ممكن، وكما ترى عزيزي القارئ هناك دائماً أسئلة حقيقية وفرضيات متعددة دون استبعاد المفاجآت، لكن المرجح حتى اللحظة أن المملكة لا حدود لمرونتها تجاه "إخوان اليمن" وأهدافهم، خاصة وأن الوعي الاستخباري التقليدي يزعم أن “التجمع اليمني للإصلاح بقبائله وقواعده الشعبية وحلفائه في الشمال يمكن أن يمثل محورا استراتيجيت ضد (الحوثيين) أنصار الله”.
فيما الجنوب حتى الساعة ما يزال في نظر الساسة السعوديين أرضية ومخزونا من الشجعان المخلصين لدعم أهداف العاصفة، وشراكتهم مضمونة دون أي ثمن سياسي حقيقي أو حتى انفتاح إعلامي (زهيد) تجاه قضيتهم.
وتلك العقيدة إن تبناها السعوديون دون مراجعة لحقائق الحالة اليمنية بعد هذه التجربة وكذلك العبر التي سرت في غير بلد، فإنما تعني أن “طبعهم إليها بالغريزة جاذبهم”، (مع الشكر لمولانا أبي العلاء المعري).
ويبقى القول: إن الشراكة الجنوبية مع المملكة ومع الشرعية ما تزال تسير وفقاً لقواعد عائمة بغض النظر عن إخراجات اتفاق الرياض التي تتطلب أثمانا باهظة ربما لا يقوى عليها الجنوبيون خاصة وأن هناك تخوفات واسعة من أن يتم استنزافهم في مواجهة الحوثي بينما "جيوش الإخوان" وقواعدهم العسكرية في الجنوب تحمل عقيدة “إسقاط الجنوب أولاً”.
تلك المخاوف التي يفهمها رجل الشارع البسيط لا يجوز أن تمر على السياسيين في الجنوب إرضاء للتحالف أو لأي حسابات أخرى.
هناك بالتأكيد كثير من التعقيدات والأسئلة الصعبة تنتظر إجابات واقعية بعد سبع سنوات حرب خاصة وقد اتضح بأن شهية العواصف ما تزال مفتوحة… لكن السؤال الثابت والأكثر حضوراً هو:
ماذا سيحقق الجنوبيون لقضيتهم في آخر المطاف؟