الثورة أو الانتفاضة فعل سياسي، لذا فلا ضير من معارضته أو تسميته بأسماء تتناسب ورؤية كل فرد من زاويته وقناعاته عن هذا الفعل.
وبعيدا عن التسميات واختلاف اليمنيين هل فبراير ثورة أو نكبة أو نثرة، أو انتفاضة، أو محاولة للتغيير؟ وهل فشلت أو أُفشلت؟ بعيدا عن ذلك كله، لم يعد ذلك نقاشا مثمرا وواقعيا، والبقاء في مربع الأسماء والأحكام، تكرار اعتدناه في كل عام وهو ممل ومكرور وسطحي ومضيعة وقت.
ما هو مهم الآن ليس ذلك إطلاقا، والتنابزات حول ذلك تهريج وتشتيت صف المكون الشرعي بتحالفاته الجديدة ضد مشروع إيران والكهنوت الحوثي وجماعات الدين المتطرفة.
يبقى 11 فبراير درسا كان لا بد منه لكل الأطراف، والعبرة في أخذ الدروس من هذا الدرس القاسي والاعتراف بالفشل ومراجعة الذات فضيلة حتما.
لقد فشلت فبراير كما فشلت سبتمبر واكتوبر "جزئيا" ذلك باعتبار النتائج التي هي أساس تقييم أي ثورة أو فعل أو نضال، فالمآلات هي أساس التقييم وليست الأسباب والمقدمات.
والسؤال المركزي الذي ينبغي الانشغال به عن أي اصطفاف (مع أو ضد) هو الآتي:
لماذا تفشل ثوراتنا؟
ولماذا تموت نضالات اليمنيين المتلاحقة؟
لماذا لا تراكم واقعا أفضل، بل تفضي إلى مزيد من السوء والتشرذم؟
لماذا لم تحقق ثورات اليمن المتلاحقة وكل فعاليات المقاومة وحركات التصحيح والتغيير شمالاً وجنوباً أهدافها وطموحات الفاعلين؟
لماذا تضيع وتتلاشى كل تضحيات اليمنيين في كل معاركهم الثورية وتذهب أدراج الرياح، ويستمر مسلسل الاحتراب بين كل فترة وأخرى، بدعاوى التغيير والتصحيح؟!
ما هي العوامل الرئيسة لفشلها أو إخفاقها؟
لماذا كانت الآمال والتطلعات عريضة وكبيرة، وكانت النتائج دوماً مخيبة واحتاج الثوار أنفسهم لثوار يخلصونهم من أدرانهم؟
إنها أسئلة تحتاج لتتبع عميق وليس لمقال عارض.
ولكن لا بأس من أن نضع بعض نقاط من نافذة المتابعة والتأمل، وليس من زاوية البحث العميق كخطوط عريضة فقط من الماضي ومن شواهد الحاضر كمحاولة للإجابة على الأسئلة أعلاه وتتبع أسباب الإخفاق.
ولعل أهم أسباب وعوامل الإخفاق لكل تلك المحاولات والثورات اليمنية الممتدة في تاريخنا الحديث ومنها 11 فبراير الآتي:
1/ عدد المؤمنين بالتغيير ليسوا هم من يقوم بالتغيير ابتداءً..
ومن يقومون به ليسوا فعلاً صادقاً انتهاءََ.
2/ هناك خلط في أفعالنا الثورية، والنضالات التي نقوم بها وبين سلوك الانتقام، والبغض وهذا أمر يمحق الفعل النقي ذي الغاية السامية ويقلص المسافة بين النضال والانتقام الذي يجب أن تفصلهما مساحات كبيرة.
3/ الأسلمة لهذه الثورات وإخراجها عن أهدافها من الوهلة الأولى وتسخيرها لايديولوجيا ومنافع ذاتية.
ذلك أن الجماعات الدينية قفزت إلى المنصات وأدارت في مطابخ في الخفاء الفعل ووجهته، رغم كل ما تحمله هذه الجماعات من استبداد ديني هو أكثر ضرراً، ومشاركتها كان العامل الأبرز في فشل معظم نضالات الشعب والشباب في كل المراحل.
4/ هناك فساد مصاحب لكل ثوراتنا ومقاومتنا يشبه ما كنا ننقده ونفضحه، وربما يفوقه أحياناً.. وفاقد الشيء لا يعطيه.
5/ السير خلف من يتسللون إلى القيادة من أساطين الفساد والقفز على الثورات في حين غفلة، وتحت ذرائع كثيرة يتم القبول بالأمر الواقع، فتكون الكوارث.
والأدهى من ذلك أن الذهاب لتبرير وجودهم، أو لأفعالهم وأنهم الأقدر والأكثر خبرة وإمكانية.
ولعل 11 فبراير مثال حي أكثر وضوحا لذلك.
6/ فقدان الخطاب المتزن والفعل الرشيد وغالبا ما يبدو نضالنا فعلا أهوج وسيلا من الحماقات والعداء وإزهاق الدم وهدم الوطن دون شعور ودون حس وطني صادق.
7/ القيادة وسلوكها.. ذلك أن كل نماذج سلوكيات الفعل الثوري الذي قدمناها للقيادات الذين تربعوا وتحدثوا باسم فبراير قام على استثمار واضح من أعداد محددة سخرت الفعل لصالحها الخاص وتم استثمار الفعل بطريقة فجة وهم اليوم ينعمون بذلك.
كما أن سلوكياتهم وانتهازيتهم كانت مخيفة لأبناء الشعب، مما أفقد الفعل القيمة الأساسية جراء ذلك.
فالكثير كانوا لا يبحثون عن وطن، أو مواطنة، أو ثورة، أو مقاومة أو تغيير، أو عدل، أو قيم.. فقط يبحثون عن فرصة، وعندما وجدوها غادرونا في منتصف الطريق، وسلكوا شعابهم الجديدة.
ولعل في قياداتنا السياسية والحقوقية والثوريه أمثلة لا حصر لها لذلك، وهو ما يدور في نقاشاتنا اليومية حين نستعرض عوامل الإخفاق فغالباً نشير لهذه الأسماء وهذه التجارب.
8/ ومن أسباب الفشل التي يجب أخذها في الاعتبار طبائع الإقصاء.
فنحن ملغومون بطباع الإقصاء حد التخمة، ومع كل فعل ثوري يذهب الرفاق لإقصاء بعضهم، وتحويل النضال إلى مغانم.
لكل ما سبق ولغيره من أسباب كثيرة أخرى، نحن لا ننتصر، فقط نموت، وتموت كل جهودنا ونضالاتنا، وأشواقنا وأحلامنا.
ونبقى نطارد الأحلام في بلد ليس له إلا الحلم بالإضافة إلى رقم قياسي في عدد الثورات التي قامت فيه في تاريخ العالم.
إن نضالاً مثل نضال مانديلا، وغاندي، ومارتن لوثر كنج... وغيرهم ممن قادوا حركات التغيير، لم يكن به روح الانتقام، بقدر ما فيه من قيم الثورة وصفاء الفعل وشرف الوسيلة وسمو القيادة ووضوح الرؤية.
وخلاصة الأمر وفصل المقال:
إن يوم أسلمة فبراير كان ميعاد دفنها.
صحيح أننا شاركنا فيها بوعي، كان الظلم والفساد مبررين كافيين لأي ثورة، لكن كان الأفضل إصلاح النظام بدلا عن دفنه وهدم الدولة معه.
كما أنه كان يجب مقاومة من دفنوا الثورة في مهدها يوم أن جروها إلى مربع الأسلمة والانتقام.
لقد خرجت الثورة عن هدفها وأُخرجت عن مضامينها بدون وعي منا، حين تسلق عليها علي محسن وجماعته، وحميد وإخوانه، والزنداني وخزعبلاته.
واليوم من الشجاعة أخذ الأحكام عليها من وجوه الناس البسطاء وتعبيراتهم الصامتة، فطرتهم السليمة التي لا تكذب.
هذه الفطرة تلعن اليوم الثورة للأسف، وتلعن الديموقراطية، ولكن الأجدى أن نلعن من حاولوا أسلمتها وتسخيرها وفق منهجهم ومنطقهم وفي طليعتهم الإخوان والحوثي، وانا أول اللاعنين.