كان الكثيرون (وأنا منهم) يخشون من أن تنجح سلطات المنطقة العسكرية الأولى الدخيلة، في التضييق على فعالية وادي حضرموت المليونية التي شهدتها حاضرة الوادي سيئون الجميلة سعيا لإفشالها.
لكنها (أي القوات) فشلت في محاولتها، رغم التحشيد الأمني والعسكري وقطع الطرق وحجز عشرات الحافلات المقلة للجمهور عند مداخل الوادي وتغييب أكثر من ثلثي المفترض مشاركتهم في تلك المليونية المباركة، ورغم مطاردة المحتفلين في شوارع سيئون واعتقال العشرات من القادة والناشطين السياسيين من الداعين للفعالية والمنظمين لها والمشاركين فيها.
للأسف الشديد يبدو أن طبع الميول القمعي والاستقواء بالوسائل والأدوات العسكرية في مواجهة المدنيين المسالمين قد غلب على محاولة التطبع بادعاء احترام القانون والدستور.
فمنذ ردفان والحبيلين والعند، في الأعوام 2007-2009م عندما كان أبو العوجاء يوجه قواته لقتل المدنيين الجنوبيين المحتجين على سياسات ما بعد حرب 1994م وحتى اليوم لم يتعلم لا أبو العوجاء ولا من يقودونه ولا من يقودهم أنَّ تكرار المحاولة بنفس الطرق والوسائل وانتظار نتائج مغايرة لا يعبر إلا عن غباء مركب.
بيد إنه غباء يتسبب في إزهاق أرواح وإراقة دماء، لكن من أين لهؤلاء الحمقى أن يتعلموا من خيباتهم المتواصلة؟
أعود وأقول إن كل حملات القمع والتضييق وقطع الطرقات، ومحاولة التقليل من أعداد المشاركين في فعالية سيئون لم تفلح في إفشال الفعالية.
ولو كان عسكر 1994م الجاثمون بالآلاف على أنفاس أبناء حضرموت يتقنون التفكير السياسي لطرحوا السؤال المحوري: لماذا يصر أبناء الجنوب، وليس آخرهم أبناء حضرموت على رحيل غزاة 1994م من أراضيهم؟
ولماذا هم (أي غزاة 1994م) ممقوتون حيثما ولوا وجوههم على أرض الجنوب، بدلا من العجرفة والاستعلاء والاعتقاد الأحمق أن توقيف الحافلات ومنع الناس من المشاركة في الفعالية قد أشبع غرورهم وحقق لهم الغرض الغبي الذي يسعون إليه؟
رسالة حضرموت وصلت ومليونية سيئون حققت غاياتها بنجاح فاق التوقع، وقوى العنجهية والهنجمة خابت في مساعيها.
وفعالية سيئون لن تكون الأخيرة ـ بل ربما هي تدشين لمرحة جديدة من الهبة الحضرمية الثانية التي آلى فيها الحضارم على أنفسهم ألّا يوقفوها إلا بتحقيق كل مطالب مؤتمر حرو، ورحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى وتمكين الحضارم من إدارة شؤونهم الإدارية والمالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والحقوقية.
وسيعلم قادة قوات الغزو أنهم بعنادهم الأحمق إنما يقفون في طريق سيلٍ جارف لا تصده الفيالق ولا تحرفه الحواجز، وأن ظروف مواجهتهم اليوم مع الجماهير الحضرمية، تختلف عن ظروف قتل نشطاء الحراك السلمي الجنوبي، الذين فشلوا فعلا في وأده في العقد قبل الماضي.
وكنت قد قلت بالأمس، إن نصيحتي للقائمين على قوات المنطقة العسكرية الأولى أن ارحلوا لتحرير مأرب وصنعاء وذمار وعمران، وبقية مناطق الشمال وإلا فإنكم "سترحلون خاسئين مهزومين بدلاً من الرحيل بقشرة شرف تحفظ لكم شيئا مما تدعونه من الوطنية والهيبة".
أطرف ما كتبه أحد ناشطي التواصل الاجتماعي اليوم تغريدة قال فيها: "نحن نطالبهم بالذهاب لتحرير أرضهم من سطوة المليشيات الحوثية، وهم يوجهون أسلحتهم إلى صدورنا عقاباً لنا على مطالبتهم بتحرير أرضهم وأهلهم وحقوقهم وبلداتهم"..!
ولله في خلقهِ شؤون.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك