عبدالستار سيف الشميري
خيارات الميدان لا وعود الأمريكان
قال حسني مبارك يوما: المتغطي بالأمريكان عريان، وأصبح قوله مثلا.
في الشهر الأخير صدرت تصريحات أمريكية هلل لها الإعلام العربي باعتبارها تغيرا دراماتيكيا في نظرة الرئيس بايدن نحو الحالة اليمنية وتصويب نظرته نحو المليشيات الحوثية.
كان أبرز تلك التصريحات العودة إلى دراسة تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية أولا، وإدارج الملف اليمني في محادثات فيينا ثانيا، واتصال بايدن بالسعودية لتطمينها عن دور أمريكا تجاهها وتجاه مجالها الحيوي القديم بالشرق الأوسط وفي قلبه الخليج.
كل تلك الفقاعات الخطابية تبخرت وأصبحنا نطارد سرابها ونتعلق بقشتها كما يطارد خيط دخان، بحسب تعبير نزار قباني في قارئة الفنجان.
تمارس الإدارة الأمريكية الجديدة ومعها مجلس الأمن والأمم المتحدة كل فنون المراوغة، وتضيف رصيدا جديدا لكورسات المبعوث الدولي إلى اليمن.
هذا الكورس العبثي الثقيل على القلب والعين يحاصرنا ويستنفد جهود متابعتنا، وهو جعجعة لفظية دون طحين واقعي ملموس على الأرض، إنها شيكات كبيرة دون أرصدة.
غالبا في السياسة الأمريكية يتم الهروب إلى الأمام نحو ما هو نظري والبحث عن كلمات مطاطة وآمال خادعة منذ اتفاق استوكهولم المشؤوم.
وليس أدل على ذلك كل إحاطات المبعوثين وبيانات مجلس الأمن التي تعد من الأمريكان غالبا مع تدخل روسي عابث أحيانا عندما يتعلق الأمر في ذكر إيران وهو دور روسي متكرر تفرضه اشتباكات التحالف الإيراني الروسي في سوريا وغيرها.
والسؤال ما الذي جناه اليمن طوال كل هذه الفترة على أرض الواقع سوى الكثير من التدليس والتدبيج لقرارات وبيانات لا تحدث أي اختراق ولو نسبيا في المعضلة اليمنية؟، رغم أن مجلس الأمن معني بتطبيق قرارته لا سيما وبعضها تحت البند السابع.
ذلك أنه لا وجود لإرادة حقيقية لإنهاء الحرب والضغط في سبيل ذلك، فالحرب مناخ استثمار لشركات السلاح الأمريكي ومصدر مالي غزير لمنظمات الأمم وأطقمها العاملة.
كل ما في الأمر أنهم يمنحون إيران اعترافا دوليا «مستورا» بحق التسلل والهيمنة على العالم العربي من بوابات مختلفة، ويفشلون حتى في الملف الإنساني ويحاصرون التحالف من تحقيق النجاح في اليمن منذ توقف معركة الحديدة تحت الترويج لعملية السلام والبعد الإنساني.. بينما يستمر عبث وقصف الحوثيين على الأحياء المكتظة بالسكان يمنيا وعلى دول الجوار..
إحدى تجليات الإدارة الخارجية الأمريكية هي بدعة المراوغة المتراوحة بين «دعم» الجهد الحربي الخليجي، والتصفيق لمبادرة المملكة في السلام والمجاملة «النووية» لإيران، من خلال تدليلها في محادثات فيينا التي ثبت أنها لن تتناول أي قضية سوى الملف النووي وأن كل تلك التصريحات الأمريكية هي هدايا كرتونية فارغة المحتوى من أي شيء ذي بال ومحاولة إمساك العصا من المنتصف والركض في مساحات الحلول الوسط، وهو ذات سلوك بريطانيا والمبعوث الأممي.
إنها مجرد أكوام من غثاء الكلام، وشكر وتقدير لجميع الأطراف، واتهام جميع الأطراف ومساواة الجلاد بالضحية والمليشيات بالدولة والشرعية مع بعض الآمال والوعود والأوهام بأن هناك أفقا سياسيا.
وخلاصة الأمر وفصل المقال:
إن ما نحتاجه الآن وليس غدا العودة بجدية إلى خيارات الميدان التي وحدها لها القول الفصل لتحديد مصير اليمن، وأي ركون على أمريكا لن يكون صوابا، فغالباً ما تنطوي السياسة الخارجية الأميركية على رصيد كثيف من التناقضات لأسباب عديدة، منها ما هو داخلي أو خارجي.
تلك التناقضات تفسح المجال أمام الذهاب إلى تحليلات كثيرة حول خلفيات المواقف، وطرح أسئلة إذا ما كانت سياسة الولايات المتحدة تتغير بتغير الأشخاص، أم أن المسار الذي تفرضه دولة المؤسسات هو الذي يبقى قائماً ومستمراً؟
لنكتشف أن المراوغة عنصر أساسي حاضر في قلب السياسة الأمريكية مهما تبدلت شخوصها وأحوالها وأحزابها.