كنت قد أشرت في حديثٍ سابق إلى أن غياب أحد الأطراف الثلاثة (شرعية الرئيس هادي، المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين) عن (مؤتمر الرياض 2) سيقلل من فرص نجاح المؤتمر وتحقيق غاياته المرجوة، لأن الهدف من الدعوة الخليجية هو لم شمل القوى السياسية اليمنية للوصول إلى حل ينهي الحرب ويعالج آثارها المدمرة على الأرض والإنسان في هذا البلد المنكوب.
وقد كشفت الجماعة الحوثية في صنعاء أنها ترفض الحوار وقال بعض قادة الحوثيين إن اليمنيين لا يقبلون بالمشاركة في مؤتمر يعقد في "عاصمة البلد المعتدي"، حسب تعبيرهم.
وقال آخرون إن هذه الدعوة هي "مؤامرة جديدة" من (دول العدوان)، على الشعب اليمني وثورته (حسب التعبير الحوثي أيضاً).
ولو أن الجماعة الحوثية اكتفت بحجة البلد المستضيف لكان يمكن تفهم السبب، لكن الحوثيين أضافوا إلى رفضهم تكثيفا غير مسبوق بقصفهم المدن والمنشآت المدنية السعودية المجاورة ووصل القصف إلى بعض المنشآت النفطية في مدينة جدة السعودية، وفي هذا ما يكفي للاقتناع بأن الحوثيين ليسوا فقط رافضين للحوار، بل إنهم مصممون على مواصلة الحرب ولو قدم التحالف العربي والشركاء الدوليون ما قدموا من التنازلات والترغيبات.
لم يطرح الحوثيون أية شروط للمشاركة في أية مشاورات، بل رفضوا أي مشاركة باعتبار دعوة مجلس التعاون الخليجي مؤامرة مثل كل ما يعتبرونه مؤامرة.
من الواضح أن الحوثيين يجيدون الابتزاز على الجميع، على الشعب الشمالي وعلى المنظمات الدولية وأكثر من هذا على دول التحالف التي يعتقدون أنها في ورطة بعد أن خذلها خاطفو الشرعية طوال ثماني سنوات انتهت بتسليم ثلاث محافظات كاملة للحوثيين بمساحة تساوي حوالي ثلث مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة).
وهكذا يتصور الحوثيون أن دعوة مجلس التعاون الخليجي جاءت لإخراج دولتي التحالف من هذه الورطة، وهم يعلمون أن ثمن العناد والابتزاز هو مزيد من الحرب والدمار المادي والبشري والنفسي لقاعدتهم الشعبية التي بلغت أدنى درجات التضاؤل والتآكل والانكماش.
ومن ناحية أخرى يعتقد محللون سياسيون أن الحوثيين لن يقبلوا بأية تفاهمات لا مع الشرعية، التي يرفضون الاعتراف بها ولا مع دول التحالف العربي قبل إنجاز الاتفاق المتعلق بالملف النوري الإيراني بين إيران ودول (خمسة + واحد)، أي أنهم لن يدخلوا في أية اتفاقات إلا بإيعاز من إيران وموافقتها باعتبار الحرب في اليمن واحدة من الأوراق الإيرانية لابتزاز المجتمع الدولي حول ملفها النووي، وبالتالي ستظل اليمن ساحة حرب بالوكالة عن إيران ضد جيرانها العرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي فرص تحقيق النجاحات المرجوة من مؤتمر الرياض 2 للتشاور بين اليمنيين؟
من الواضح أن فرص نجاح الغايات من مؤتمر الرياض 2 تتضاءل في ظل التعنت والابتزاز الحوثيين، إلا إذا كان المؤتمر سيعقد "بمن حضر" كما يقال.
وفي هذه الحالة فإن مخرجات المؤتمر ستظل معلقة بلا تنفيذ طالما غاب عنه من أشعل الفتنة وتسبب بكل هذا الخراب والدمار والتشظي في البلاد شمالاً وجنوباً.
إن حالة كهذه ستجعل من مخرجات المؤتمر أمراً لا يختلف عن مخرجات حوار صنعاء ونتائج المبادرة الخليجية، هاتان المرجعيتان (كما يسمونهما) اللتان ذهبتا أدراج الرياح لأنهما اتسمتا بالترقيع والانتقائية ولملمة الْمُمَزَّقُ ومحاولة الخروج بقطعة قماش زاهية ومنمقة من الخارج لكنها مهترئة تمزقت عن أول استعمال لها.
ولن أحتاج إلى توسع في الشرح كيف جرى الانقلاب على المبادرة الخليجية لأنها حملت عناصر موتها في داخلها، وكيف أدت مخرجات حوار صنعاء إلى الحرب والانقلاب وما صارت إليه الأمور حتى اللحظة الراهنة.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك