موجوعون إلى النخاع، صنعاء موجوعة يا عدن ويا كل الجنوب، فهناك خسارات لا تعوض، وأشخاص لطالما مثلوا أيقونة البطولة والفداء، وكانوا في مخيال الشعب علم وبصمة تشير إلى أن اليمني الحر لا يقبل المذلة، ولا يتقبل من يريدون إذلاله، ولا يهادن في مصير قضيته أو مبادئه وقيمه، ومن تلك الشخصيات، شخصية القائد الشهيد ثابت جواس، صاحب أعظم رصاصة في تاريخ اليمن بعد رصاصات البطل الشهيد القردعي، والثلايا والعلفي، فالقائد جواس ينظر إليه شعبنا بعظيم الاحترام ويعتبرون ما قدمه وقام به نتيجة حتمية لما يجب أن يكون، وأن يتم فعله مع كل ظالم مغرور وكهنوتي.
اُستهدف اللواء الركن ثابت جواس، في وقت حساس، وبعملية إرهابية دقيقة تضع تساؤلات عدة، خصوصاً وأن الشهيد عُرف باقتداره وصلابته العسكرية، ولا شك أن مواقفه الوطنية خلقت له عداوات كثيرة، ولكن... ما يلاحظ في العملية الغادرة أنها نفذت بعناية تُشير إلى أن المنفذ والمخطط لها له باع طويل في الاغتيالات، وتخادم أكبر مع الجماعات المتطرفة التي لطالما كانت تسارع لإعلان مسؤوليتها عن كل عملية إرهابية تستهدف المقار الحكومية وقوات الحزام الأمني، والشخصيات السياسية والعسكرية التي لها خلاف مع أحد أطراف الشرعية، والتي قد تكون تخادمت مع كل من له رغبة في استهداف القائد جواس.
ولا شك أن الحوثي مستفيد أيضا من هكذا عملية غادرة، ولعله يسوقها لأتباعه في كواليس دوراتهم بأنهم قادرون لفعل ما يريدون، والتنكيل بكل من يعارضهم ويقاتلهم، ولا شك أن فرحتهم العارمة وتشفيهم يثبت بأنهم لا يحملون أدنى قيم إنسانية أو أخلاقية، ولا يتحلون بشجاعة كافية لمواجهة الرجل الذي أذاقهم المر، وصار اسمه مقرونا بإذلالهم وقتل زعيمهم الأول، ولذلك حاولوا مرارا من أجل تصفيته سواء في الحروب الستة، أو من خلال المسيرات وانتهاء بالمفخخات، ويبقى السؤال الأهم، إن كان الحوثي من يقف خلف هذه العملية، فمن سهل له؟ ومن رتب ومكن من التنفيذ، وهل تعي الشرعية أنها تفقد رجالها وكوادرها جراء ثباتهم على قيم ومبادئ وطنية تخالف رأي ونهج الحزب المتحكم بالشرعية، وهل تدرك الشرعية معنى أن تبقى قيادات الجيش مكشوفة وسهلة الرصد والتتبع بسبب بقاء الاتصالات بيد الحوثيين، يتحكمون بها ويرصدون من خلالها من شاءوا، ويستهدفون من يريدون بكل أريحية؟
رحل جواس شهيدا بطلا كما عاش بطلا، ولا يليق بمثله إلا الشهادة والارتقاء الأعظم، رحل واليمن يكتوي بكهنوت الحوثي وفساد وهزلية الطرف المناهض للحوثي، وكأني بلسانه يقول: "ها أنا رحلت.. متى تتفقون وتطلقون رصاصة شبيهة برصاصتي على رأس عبدالملك، إن كنتم تريدون الخلود؟".