لا أراهن على معجزة يمكن أن يخرج بها مؤتمر الرياض لحل الأزمة اليمنية المركبة لعدة أسباب، أهمها غياب الطرف الانقلابي الذي هو معني مع خصومه بالتقيد بأي من مخرجات المؤتمر.
وحتى لو كان الأمر يتعلق بإعادة هيكلة الشرعية كما طالبنا ويطالب آخرون من معظم الأطياف السياسية ـ حتى الشمالية- ، فإن أية إعادة هيكلة ينبغي أن تنطلق من استكشاف أسباب العجز والإفلاس الذي وصلت إليه هذه الشرعية في جميع وطائف البديهية البسيطة، وهي نفسها أسباب تشبث الطرف الانقلابي بمشروعه وما حققه من زحف وتوسع على حساب هذه الشرعية وعلى حساب أحلام الشعب اليمني.
بينما الأشقاء، وهم الطرف الأقوى تأثيرا في صنع مخرجات هذا المؤتمر، لا يرغبون في إغضاب من اعتاد على دعمهم وكرم استضافتهم وإحسانهم إليه، ربما من منطلق "قطع العادة عداوة".
ومن المؤسف أن البدائل التي يستعرضها المسربون لا تختلف كثيرا عمن يراد إعفاؤهم من قيادة الشرعية.
فعندما تقتلع الشجرة أو العشبة الضارة وتستبدلها بأخرى لا تقل عنها إضراراً، فكأنك إنما تصر على استمرار الخلل وتمنح الطرف الانقلابي فرصاً أخرى لمواصلة تمدده وتوسعه على حساب الشعب ومستقبله.
ليس هذا ما أنا بصدده في هذه التناولة العاجلة، فما يهم هنا هو: ماذا سيجني الجنوبيون من مشاركتهم في مؤتمر الرياض 2؟
كنت وما زلت منذ البدء من المؤيدين لمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي وكل القوى السياسية الجنوبية في هذا المؤتمر لأسباب كثيرة لا أحتاج لاستعراضها أهمها أن المجلس وما يمثله من موقف سياسي ووطني وعروبي هو الشريك الأكبر جنوبيا للأشقاء في التحالف العربي.
كما أن المؤتمر يمثل فرصة ذهبية لتحقيق المجلس مجموعة من الأهداف التي يخطط لتحقيقها منذ أشهر، ومنها عقد اللقاءات مع الشركاء الجنوبيين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم والبحث عن مشتركات جنوبية متعددة يمكن أن تبدأ بالتمسك بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم، ولا تنتهي بالمطالب المعيشية اليومية المتصلة بوضع الخدمات وشبه المجاعة التي توشك أن تعم كل أبناء الجنوب وحرب التجويع التي تمارسها بعض الأطراف الشرعية ضد الجنوبيين، والوضع الإنساني في الجنوب عموما وهي قضايا لا أتصور أن أي جنوبيَّين يمكن أن يختلفا عليها.
وفي هذا السياق أحيي تلك اللقاءات التي أجراها الأخ رئيس المجلس الانتقالي ورئيس وأعضاء لجنة الحوار مع المكونات الجنوبية المختلفة بغض النظر عن حجم ومستوى حضور كل منها، وأعتبر كل هذا خطوات في الاتجاه الصحيح على طريق ردم الهوة وبناء المزيد من الثقة بين جميع تلك المكونات والسير نحو قيام جبهة وطنية جنوبية عريضة تحت أي مسمى جنوبي يتم الاتفاق عليه.
في اعتقادي أن المجلس الانتقالي الجنوبي وهو يشارك في أعمال مؤتمر الرياض الحالي يقف أما تحديات عديدة أهمها:
• إيصال رسالة الشعب الجنوبي إلى كل الأخوة والأشقاء والأصدقاء والمعبرة عن حق هذا الشعب في استعادة دولته وبناء نظامه الوطني الجنوبي المستقل القائم على المواطنة المتساوية ورفض التمييز وقطع دابر كل أسباب الحروب والانقلابات والتمردات غير القانونية.
• النظام المتعايش مع جواره الإقليمي والدولي والمشارك في مكافحة الإرهاب وحماية الممرات والمنافذ الدولية البرية والبحرية التي تقع في إطار الجغرافيا الجنوبية.
• المساهمة في تقديم تصور معمق للخروج من الأزمة في أراضي الجمهورية العربية اليمنية (السابقة).
وأتصور أن ما يهم الجنوبيين في هذا السياق هو قيام دولة مدنية ديمقراطية تحترم التعدد المذهبي والفئوي والقبلي في أراضي الجمهورية الشقيقة، والتعايش مع الجوار العربي ومع المجتمع الدولي، دولة تقطع الطريق على ثقافات الحروب والانقلابات والتمييز العرقي أو المذهبي أو السلالي وتضمن المواطنة المتساوية لجميع أبناء اليمن الشمالي.
• استمرار الحفاظ على العلاقة الأخوية والندية مع الأشقاء في التحالف العربي، وهي العلاقة التي ينبغي أن تقوم على الندية والمصالح المشتركة بيننا وبين أشقائنا الكرام في الجزرة والخليج العربيين.
وفي هذا السياق لا يراودني أدنى شك بأن الأشقاء في دول التحالف العربي يدركون أن الشعب الجنوبي عندما انخرط في مشروع التحالف من خلال عاصفة الحزم وما تلاها، لم يكن مقدما على عملٍ تطوعي أو خيري من أجل أحد.
فالأشقاء لا يحتاجون إلى متطوعين ولا إلى متصدقين وهم من يتصدقون على شعوب وأمم بحالها، ويدعمون طوعا ملايين المحتاجين عبر العالم، لكن الشعب الجنوبي وقواه السياسية ومقاومته الوطنية الجنوبية إنما انخرط في عاصفة الحزم لأنه رأي فيها مشتركات عديدة مع حلمه في استعادة دولته وبناء مستقبله المستقل بلا وصاية ولا تبعية ولا فرض إرادة عليه من أحد ولا منة على أحد.
وهكذا فإن الفرصة اليوم مواتية للأشقاء في التحالف العربي وهم يناقشون قضية إنهاء الحرب والاتجاه نحو إعادة هيكلة كل شيء في اليمن للتأكد من مشروعية وأهلية وأحقية الشعب الجنوبي في استعادة دولته وبناء مستقبله المستقل ودراسة الآليات التي توصل إلى تمكين الشعبين الشقيقين في الشمال والجنوب من استعادة دولتيهما من خلال عملية توافقية بين الشعبين وقياداتهما السياسية لتحقيق السلام الدائم والتنمية المساتدامة للشعبين الشقيقين.
وبقيت حقيقة على الأشقاء في الشمال أولاً ودول التحالف العربي ثانياً والمجتمع الدولي ثالثا إدراكها بصدق وبلا مراءة أو مراوغة أو تحايل، وهي:
إن أية معالجة للأزمة اليمنية لا تضع حلا جذريا للقضية الجنوبية ولا تستجيب لمطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته والعودة إلى وضع الدولتين اليمنيتين الشقيقتين المتعاونتين والمتكاملتين، إنما تمثل ترقيعا مؤقتا لا يلامس كنه القضية وجوهرها وسيبقي أبواب الحروب والنزاعات مفتوحةً على مصاريعها من اليوم إلى يوم يبعثون.
{واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون}.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك