لا شك أن أي لقاء يجمع اليمنيين على طاولة حوار ومشاورات أفضل وأقل كلفة من أن تجمعهم ميادين القتال والشقاق والخصومة، وأن ما سينتج عن تلك المشاورات سيختصر الكثير من الدروس والخسائر التي ستلقنها المعارك لبعضهم البعض والتي ستفضي حتماً لحوار ونقاش وتوافق ووئام، وما نراه في الرياض كان يفترض ان يكون منذ سنوات وكان يفترض أن تتعلم النخب اليمنية من محطات تاريخية كثيرة مشابهة وأحداث معاصرة حسمتها المفاوضات واللقاءات والمشاورات والتنازلات والتسامي فوق الجراح ولم يحسمها المدفع والصاروخ.
اليمنيون كشعب طحنته الحرب، وسحقته الأعباء المعيشية وظروف الحياة القاسية، ينظرون بتفاؤل تجاه هذه المشاورات، ويتطلعون من خلالها لإنهاء حالة التشرذم التي فت عضد اليمنيين ومزقت دولتهم، وتأمل أن يكون المتشاورون لأجل اليمن وقضيته العادلة شمالاً وجنوبا، لأجل مستقبل الوطن لا مستقبل فئة او حزب او مكون بعينه، فالتخندق السيئ خلف الأحقاد والمصالح الشخصية والفئوية أضاع البلاد وسلمه والشعب لقمة سائغة لجماعة الموت الحوثية التي ترفض الانخراط في أي مشاورات او مفاوضات او لقاءات بين اليمنيين وتعمل على إفشال كل جهد يجمع كلمة اليمنيين ويحقن دماءهم ويفضي الى تحقيق السلام.
ما نتطلع إليه من مشاورات الرياض ان تنجح في معالجة الاختلال الحاصل في الشرعية، وتعيد تعريف الدولة والحكومة بأنها للجميع ومن أجل الشعب كله، وأن المسؤولية الجسيمة والمرحلة الصعبة تحتاج لرؤى وطنية صادقة ونوايا مخلصة واصلاحات حقيقية ومشاركة فعلية في ادارة البلد واخراجه من النفق المظلم الذي ادخلته فيه كل النخب بلا استثناء.
ولعل أهم النتائج المرجوة هي ان تفضي هذه المشاورات الى لملمة صف النخب السياسية الشمالية تحديداً، ولفت انظارها أن محافظاتهم محتلة من قبل الحوثي، ولن تتحرر الا بوحدتهم وتوافقهم على هدف ومشروع وطني جامع يتسامى فوق كل الخلافات والجراح، فإذا خرجت هذه المشاورات بخلق وئام وتحالف وتعاون ووحدة بين المكونات السياسية الشمالية فهذا انجاز كبير، وشوط مهم ولبنة أساسية في طريق استعادة اليمن شمالاً، ولا شك أن النخب الجنوبية ستقدم كل العون والسند لنجاح هذه المهمة، فما نحتاجه هو لملمة لنخب متشرذمة، واستبعاد لشخصيات اثبتت كل الوقائع فشلها، وان لا جدوى من التمسك بها إن اراد اليمنيون المضي قدماً في مشروعهم الوطني الجامع الذي يتسع لكل اليمنيين، كما انه لا بد ان تدرك هذه النخب أن لا جدوى من أي التقاء او اتفاق لا يوجه بوصلته نحو صنعاء، ولا نجاح لأي تحالفات ترى ان هدفها المحافظات الجنوبية كغنيمة او تابع وليس ندا وطنيا وشريكا فعليا في السلطة والثروة، فإذا نجحت مشاورات الرياض في ذلك لن يكون أمام ذراع ايران الا ان تذعن لتوافق اليمنيين ويكون معها بحجمه وللوطن لا للخارج، او فعليها تحمل تبعات تعنتها ورفضها لما اتفق عليه اليمنيون، ومواجهة حرب وطنية مقدسة تزيلها ومشروعها من أرضنا التي ترفض أن تكون ضيعة إيرانية.