لا شك مطلقاً في قدرة اليمنيين على التوافق والاتفاق على كل ما من شأنه استعادة الدولة، متى ما ابتعدوا عن المصالح الضيقة وتساموا فوق الأحقاد والجراح والآلام، وما توصل إليه اليمنيون منذ أيام في مشاورات الرياض فاق التوقعات حقيقةً، خصوصاً وان الهدف من تلك المشاورات هو تقييم الوضع القائم ومعرفة مكامن الخلل وأسباب الوهن والفشل، ومعالجة ما نتج عن العلات السياسية والخلافات الحزبية من نتائج كارثية وتقديم الآراء والمشورة والاقتراحات المعقولة للخروج من حالة التمزق والفرقة والاستئثار الذي أصاب الشرعية وأفقدها معناها الجامع.
***
طوى اليمنيون بتوافقهم صفحة بائسة من تاريخ اليمن، وبدأوا أولى الخطوات نحو لملمة الصف والتفكير المنطقي نحو ما يجب ان يكون، وشكلوا جميعاً مجلس قيادة رئاسيا يعبر عنهم ويمثلهم جميعاً، وألقوا على عاتقه مهمة صعبة ليثبت انه مختلف عن السابقين بقيادته وإدراكه لعظم المسؤولية وحساسية المرحلة وتعامله مع كل الأطياف السياسية بعين واحدة، وشراكة حقيقية، ويبقى الرهان مستقبلاً عليهم لاستعادة الوطن من براثن الشر الحوثي وداعميه الإيرانيين، سواء بالسلم والعملية السياسية التي تضمن لليمن سيادته وحريته وديمقراطيته، وعروبته، أو بالحرب الصادقة والكفاح الخالص لتحقيق تلك القيم والمبادئ، فاليمنيون سئموا من القيادات الفاشلة، وملوا من الوعود، ويريدون تطبيقا عمليا لما توافقوا عليه، وقيادة تقوم بواجبها من الداخل ليشاركوها الكفاح وتشاركهم الفرحة ومشاق النضال، لا سيما والآمال العريضة التي يرسمها الشعب في الداخل وخصوصاً في المناطق الواقعة تحت الإرهاب الحوثي، تستحق منهم جميعاً العمل بروح واحدة وهدف واحد هو اليمن الذي لا بد ان لا يترك فريسة لطهران او ينظر إليه محيطه العربي كعبء عليهم جراء خطف الحوثيين له واصرارهم على تحويله الى ضيعة خمينية بائسة.
***
فرحة اليمنيين بطي صفحة هادي ومحسن كبيرة ليس كرهاً في شخوصهما، بل في سوء إدارتهما للمعركة السياسية والعسكرية والاقتصادية والخدمية رغم ما حظيا به من دعم واسناد سخي من دول التحالف، وما زاد من ابتهاجهم هو خطاب رئيس مجلس القيادة والذي رسم خطوطا عريضة يتمنى اليمنيون أن تتحقق على أرض الواقع، بأن يكون رئيسا لكل اليمنيين ويشعروا فعلاً ان لهم درعاً يحمي تطلعاتهم وسيفا يذود عن دولتهم وقيمهم العروبية، ولا عزاء لأولئك الموتورين ممن فقدوا مصالحهم جراء استبعاد عناصر الفساد والفشل والإفشال، فيكفي المجلس اعتراف شعبه شمالاً وجنوبا، أما اعتراف المنتفعين أو رفضهم فلا يقدم ولا يؤخر شيئا، شأنهم شأن الحوثي الذي رفض ويرفض وسيرفض التعامل مع كل ما يهدف لاستعادة اليمن ويوقف الحرب، فالحوثيون لايعترفون بالمعلوم من الدين بالضرورة ونصوص الشريعه باستثناء الحديث النبوي القائل (علي مني وأنا منه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
فهل نتوقع منهم أن يعترفوا بنخبة قيادية فرضتها أولويات المرحلة التي أوصلونا إليها؟
اليمن اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية في مسيرته السياسية بتفهم كل القوى والأحزاب السياسية وشراكتها مع المجلس الانتقالي وكل القوى الفعالة، فما قبل المجلس القيادي ليس كما سيكون بعده.