د. فضل الربيعي

د. فضل الربيعي

تابعنى على

تشخيص للوضع الراهن

Friday 29 April 2022 الساعة 10:49 pm

بإيجاز شديد نقول: إننا نعيش حالة أزمة بنيوية، مستمرة، متكررة، تعود هذه إلى طبيعة ترسيخ حضور الانتماءات الطائفية والقبلية والجهوية، التي ظلت تفعل فعلها في مسار الأحداث والصراعات المتكررة والمستمرة إلى يومنا هذا، في هذا البلد.

ظل هذا الحضور يتغذى بثقافة ترسيخ سلوك الولاءات الفردية والطائفية والقبلية المتعددة، الذي يتمحور حول إنتاج وظائف اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية توفر الاستخواذ على المصالح وتأمين الحماية للمنتمين إلى تلك الكيانات. في ظل مجتمع مأزوم لم تتبلور فيه بعد البنى السياسية والاجتماعية. والاقتصادية للدولة الحديثة. 

 يعيش اليمن حالة مزمنة من تكرار الصراعات والحروب، حيث تبدو ملامحها في الواقع بأنها قد رسمت من قبل القوى المستبدة، وهذا الوضع هو حصيلة لما خلفته النظم الاستبدادية والثقافة الاستقوائية ومصادرة حقوق الآخرين والفساد المستمر للسلطات طوال المراحل السابقة التي انتجت الثقافة الاستبدادية والغلبة الجهوية والولاءات الفردية، والنهب المنظم للثروات وفي مقدمتها ثقافة الاستبداد التي تجسدت في إلغاء كل ما يتصل بالجنوب من تاريخ وإنسان وثروة، وعدم الاعتراف بالحق الشرعي لشعب عاش زمنا طويلا على رقعة أرض واضحة المعالم تميزوا بثقافاتهم ونظمهم الاجتماعية المستقلة.

وقد تضمن هذا الإلغاء على صعيدي الواقع والفكر، فعلى صعيد الواقع تم الضرب الممنهج للجنوب منذ حرب 1994م، كشعب ودولة، وعلى صعيد الفكر تم إنكار هذا الحق بالحديث عن اليمن الواحد ووحدة الواحد، وتم إخفاء صوت الحق القائم على أساس الشعبين والدولتين، واختفت الوحدة من الواقع وبقي الحديث عن الوحدة الوهم المجردة من مضامينها والوهم المراد منه إخفاء مطامع وتصرفات أشخاص وفئات استبدادية ليس إلا، لا تمت إلى فكرة الدولة بشيء. 

 لم تستطع التحولات السياسية والاجتماعية أن تخترق البنية المرجعية، حيث ما زالت مراكز القوى التقليدية هي الوحدة الاجتماعية الفاعلة في المجتمع. فالحركة الحوثية المسيطرة اليوم على معظم مناطق الشمال هي تجسيد لاحتواء الدولة بالمرجعيات القبلية والمذهبية المناطقية  التي تحاول استعادة دورها والحفاظ عليه من خلال مؤسسات الدولة كما تظهر أبسط تجلياتها اليوم في مجال الإعلام والسياسة والحرب.

إن الواقعية السياسية هي الاعتراف بحقوق الآخرين باستحقاقاتهم الحضارية والتاريخية والمذهبية، الاعتراف بثقافات التنوع هذا  والاعتراف المتبادل هو الضمان الأكيد لقبول الكل، إن قبول الآخر قائم على الاعتراف بالواقع الطبيعي والحضاري والثقافي المستند إلى مرجعية الأرض التي تعود إلى الدولتين، ممكن يشكل مستقبلا مزدهرا متنافسا ومتعاونا ومتعاضدا في المنطقة.

فمداخل السير نحو الحلول السياسية لتلك الأزمات قد يُبحث من خلال إيجاد آليات تتولى التوجه بعملها نحو الحلول السياسية للأزمة الراهنة، بالعودة إلى خلفيات الصراعات المتكررة. 

هذا الوضع يستدعي استنهاض الفكر والضمير الجمعي للاتجاه صوب تجذير بنى الدولة والمجتمع، بديلا للكيانات المتجذرة بكل مضامينها ومعاييرها العلمية، غير ذلك فإننا دون شك سوف نبقى عالقين في دائرة إعادة إنتاج  وتكرار الأزمات والصراعات..

فواقع ما بعد 2015م يختلف عن ما قبله، وعليه فإنه من غير المنطقي اعتماد آليات ومرجعيات سابقة كانت إحدى الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب. 

 إن الواقعية السياسية تحتم علينا الانطلاق من واقع ما أفرزه مسرح عمليات الحرب على أرض الواقع، مناطق محررة ومناطق تحت قبضة الحوثي من هنا يتم معالجة الأزمة.