لا أعتقد أن أحدا يكره الهدوء وتوقف الحرب، إلا إذا كان يعرف عبر التجارب أن هذا الهدوء يستغل للاستعداد لعواصف مدمرة ونار تستعر أكثر مما كانت، وهذا هو ما يؤمن به اليمنيون ويدركون أن الحوثي يعمل عليه ليل نهار، مستغلا للهدنة التي صبت في صالحه بنسبة 90% ولم ينل الشعب والحكومة الشرعية شيئاً منها فال10% المتبقية كانت من نصيب البهرجة الأممية وترويجها بأنها استطاعت أن تصنع شيئا.
في صنعاء، مدينة الظلام الحوثي، وعاصمة اليمنيين المغتصبة، يشعر الغالبية بامتعاض كبير من تجديد الهدنة، ويرونها مؤامرة لتمكين مليشيا الحوثي أكثر من رقاب اليمنيين، وفرصة جديدة لإعادة ترتيب صفوفها وحشد مقاتليها وزيادة إثرائها على حساب الناس، لتبدأ جولة أخرى من الصراع الدامي والإرهاب المنقطع النظير، مستخدمين أوهام الولاية وخرافة الاصطفاء لإخفاء حقيقة أنه مجرد بيدق وقاتل مأجور ينفذ ما تطلبه إيران، وأداة تنفيذ عالمية بأمر مخابرات دول معروفة ويحظى بحماية بريطانية أمريكية، ولهذا لا غرابة مطلقاً في أن نرى بايدن يشعر بالسعادة لتمديد الهدنة أكثر من اليمنيين.
يشعر اليمنيون بالضيم والأسى والقهر للفرص التي تهديها الشرعية والتحالف للحوثيين بضغط أمريكي وأممي، دون أي إلزام حقيقي للحوثي بتنفيذ ما يجب تنفيذه من الاتفاقات واستحقاقات الهدنة، فالحوثي يطبع في مخيال أتباعه ويحاول تصوير ما يجري بأنه لصالحه، وهو فعلاً لصالحه، ونتيجة قوته وتهديده للعمق السعودي كما يقول، وبهذا يقتل كل روح مقاومة ومناهضة له في ظل ما يراه المواطنون الكارهون للحوثي من تواطؤ تام وتماهٍ واستجداء لكي تقبل هذه الجماعة بفتح طريق هنا أو ممر هناك، أو لتكف يدها حتى عن الخروقات والتحشيدات والخطاب التصعيدي، ولعل أكبر المتفائلين بالهدنة يردد مثلاً شعبيا معروفا يقول: (يا ذي صبرتي سنة زيدي اصبري لك ثمان) وهو إشارة للمعرفة الأكيدة بأن لا شيء سيتغير، فما لم يتغير في عام لن يتغير في ثمانية أيام، ونحن اليوم نقول: (يا ذي صبرتوا سبع سنوات، زيدوا اصبروا شهرين).