بعد الانتهاء من زفة ما سمُّي بـ"يوم الأغنية اليمنية"، أشكر من صفحتي هذه الدكتور الكويتي يوسف السريِّع المختص في الفنون الشعبية.
والشكر موصول قبل ذلك وبعده للفنان العظيم محمد مرشد ناجي أكبر من نفض الغبار عن إرث "يحيى عمر"، عملياً من خلال إعادة تلحين وإنتاج الكثير من أغانيه، ونظرياً من خلال الدفاع (المستميت) عن مكانته وريادته وفرادته.
وبصراحة، وفي حالتيَّ الشاعر يحيى عمر والمتصوف الكبير عفيف الدين بن أسعد اليافعي، الذي يعتبره البعض ثاني أهم شخصية فكرية في مدرسة الغزالي والوحيد من اليمن الذي ورد اسمه في معجم جورج طرابيشي الضخم بين أكثر من 1500 اسم عدّهم المؤلف أهم الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة الذين أضافوا أفكاراً جديدة للبشرية.
في حالتيَّ شخصيتين فريدتين كيحيى عمر وعفيف الدين، يشعر المرءُ بغصة من كونه ينتمي إلى هذه المنطقة.
فالمؤسسات الثقافية والعلمية التي تعاقبت لم تعطهما ولو 10٪ من الاهتمام الذي يستحقانه بسبب الحسابات السياسية والاجتماعية الضيقة التي تتخوف من استغلال الرأس المال الثقافي في الصراعات السياسية.
بينما الإمكانيات التي لدى أهل المنطقة للأسف الشديد، يُصرف معظهما (ما يتعدى 95٪) في أمور مخجلة، وتعود بالضرر الكبير على أبناء المنطقة، وذلك لأن هذه الإمكانيات يقف عليها أناس غير متعلمين، ويتم توجيهها واستغلالها من قِبل الأسوأ، وللأسف الشديد!!
* * *
تفاعل أحد الأصدقاء مع منشوري يوم أمس، فقام يبحث في يوتيوب، ليجد أن الدكتور يوسف السريِّع كان قد خصص حلقة كاملة على تلفزيون الكويت للحديث عن يحيى عمر ودوره وريادته على مستوى الجزيرة العربية.
لم يكن يحيى عمر شاعرا فقط، بل مُلحنا ومغنيا، وكما أشار الضيوف.
وأكثر ما لفت انتباههم في ظاهرة يحيى عمر هو استفادته من كل الفنون والألوان الشعبية في كل المناطق التي أقام بها (اليمن، الخليج، الهند وإفريقيا)، ليطور ألحانا مبتكرة وفريدة وسابقة لعصرها أثّرت كثيرا في معظم الألوان الغنائية على مستوى الجزيرة ومسار تطورها، وشكلت ذائقة فنية خاصة بها.
لكن الأهم من كل هذا، وهنا تتجلى عبقرية "بو معجب" هي في صمود ألحانه لأربعة قرون كاملة، بل ويُعاد غناؤها وكأنها بنت مرحلتها، وتتمد إلى مناطق جديدة على امتداد الوطن العربي، ولا أعتقد أن حالة أخرى صمدت كل هذا التاريخ.
ولو تم تخصيص مبلغ بسيط من المبالغ التي يتم صرفها على مهرجي وسائل التواصل الاجتماعي، وليتم الاستفادة منها في التعاقد مع باحث موسيقي عربي كبير، لتمخض الجهد عن واحدة من أهم الدراسات العلمية عن الألوان الغنائية في الجزيرة العربية.
تحية كبيرة للدكتور يوسف السريِّع على اهتمامه وجهوده الكبيرة، والإبداع العابر يفتح الباب واسعا أمام صاحبه ليجد له أوطانا بديلة، تعزّه وتقدره، وقد يتحول إلى رمز من رموزها الكبيرة.
*جمعه "نيوزيمن" من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك