"الأصنام" لا تصنع نفسها وإنما يصنعها البشر، فلا تلوموا بشرا ولا حجرًا إن جعل منه البلهاء صنمًا لهم، ولا يتحمل دين أو ثقافة أو وطن مسؤولية الصنمية التي يفرضها الأتباع عليه.
فلا الأنبياء ولا الصحابة ولا أهل البيت ولا العلماء ولا الفلاسفة قالوا عن أنفسهم ما قاله الأتباع عنهم.. ولكن المتعصبين والحمقى (في كل زمان ومكان ومن مختلف التوجهات) هم من يبالغون حدَّ الهذيان، فيسيئون –بقدر صلفهم- إلى هوياتهم وما ينتمون إليه؛ أكثر من غيرهم.
* * *
مشكلتنا ليست في التراث كَتراث؛ لأن التراث يقول عن نفسه أنه منتج بشري غير معصوم، حتى إن التراث نفسه هو أكبر من نقد التراث.
وإنما أبتلي مجتمعنا بفئتين:
1- متعصبي اليمِيْن حيث يقدمون ما يخص حزبهم أو مذهبهم من التراث على أنه يمثل جوهر الدين وأنه حالة مقدسة لا يجوز المساس بها، ويدعون له ما لم يدع لنفسه. وهؤلاء قلة قليلة وأكثرهم من القاصرين معرفيًا.
2- متطرفي اليسار، الذين يقدمون كل مقولة أو قصة وردت في التراث على أنها تراث مقدس لدى المؤمنين؛ بل الصورة الوحيدة للأديان.
حتى وإن كانت مجرد أحزية أو قضية تستغلها سياسة سلطة أو معارضة؛ لأن هدفهم الإساءة إلى الدين وليس تصحيح المفاهيم أو ترشيد المجتمعات.
فكثير من القضايا التي تنتقد على التراث إنما تعبر عن وجهة نظر أشخاص أو تيارات معينة، وقد أشبعها التراث نفسه مراجعة ونقدًا، بل وأهمل كثيرا منها، ومع ذلك يصر المتطرفون من الطرفين على أنها لا تزال تمثل تراثا مقدسًا، وأنها الصورة الوحيدة للدين، وليس سوء استغلالها أو طبيعة فهمها.
*جمعه "نيوزيمن" من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك