بينما ينهش أهلها العوز والجوع، يصورها الإعلام المعادي اليومي وكأنها صادرت كل شيء في الطبيعة ولم تُبقِ حجرا أو شجرا أو قطرة في بحر.
وبينما القيادات الشمالية مجتمعة تعتبرها خط الدفاع الأول عن "الانفصال" وخزانا بشريا من "الأعداء الانفصاليين" وفي مقدمة المناطق التي عليها أن تدفع الثمن غالياً.. تعتبرها قيادات جنوبية مجرد أرض للتضحيات فقط ومنطقة مضمونة حتى لو أُنهكت وتآكلت من داخلها.
وبينما خصوم الجنوب من خارجه ومن داخله يعتبرون إسقاط الضالع ضرورة لنجاح مشاريعهم، يعيد بعض رفاق مسيرتها تسويق الإساءات التي تتعرض لها بصورة يومية تقريباً.
وهكذا تعيش الضالع مفارقات مؤلمة وخطرة.
وعليها أن تحارب وأن تدافع وعليها كذلك أن تتحمل كل قضايا التاريخ وكل أزمات الحاضر.. فما أكثر الرجال وما أقل الحيلة.
إن ما يُحكى عنها ويُكتب، يترك انطباعا عند المتابع بأنها تسببت في كل شيء:
فهي وحدها تزعّمت الجنوب واخترعت الاشتراكية وترأست دولته وحكوماته، ثم وضعت السحرية الخيميائية لمفردة الوحدة ومفاهيمها ولفتها بالسلوفان الحراري لكي لا تتلوث بأصابع المفتونين بقراءة التاريخ.
ووحدها أشعلت الحروب مؤخراً وأغلقت الدروب وابتلعت الثروات وصادرت الموارد وأطفأت الأنوار.
وكذلك هي وحدها الضالع قرية لولاها لاستقام اليمن والجنوب والشرعية وتناوبت الفصول بهدوء وسلام.
ذلك هو الإعلام الشعبوي المتحرر من أي قيود، يصوغ كل يوم خبرا وقضية.. ولو بأيدي صانعيه لفعلوا أكثر مما سبق لولا أن كذباتهم اليومية تأتي في سياق تداعيات حرب معروف من راكم أسبابها ومن يتحكم في مساراتها ومن يمتلك مقدرات ومصادر البلد الذي تدور فيه رحاها.
أما الضالع الحقيقية فقد أهدت للجميع الانتصار الأول في الحرب ثم ذهبت مع الريح والنسيان، يسودها الفقر والظلام بصورة لا تشبهها أيّ من المناطق الشقيقة والرفيقة والصديقة.
فاسمها الرائج الذي يصدّره الإعلام الخصم يسمح بأن تموت دون أن يكترث أحد.
تضاعف شقاؤها وتعمق مع الوقت.. ومن لم يمت من أهلها جائعاً يمكنه أن يموت مقهوراً منكسراً.. إن هو استذكر ليل البطولات حين تنادى شبابها من كل جهة، وكان شرف الدفاع عن الأرض هو المشترك وتحقيق النصر هو الهدف الأسمى.
ولم يلتفت أحد حينها إلى لون الزيّ أو الرتبة أو المسميات والألقاب.
هناك شهداء كثيرون في النسيان.