الاحتمال الراجح أن تلتقي رغبات الأطراف، وتتفق على تمديد الهدنة التي تنتهي في الأول من أغسطس.
من ناحية الحكومة المعترف بها، فهي تبدي استعدادها من غير شروط وبدون مطالب.
ويلوح الحوثي على الناحية الأخرى بأنه قد يستأنف الحرب..
إنه لا يلوح، ولكنه يهدد.
ولا يفهم من ذلك غير أنه ينوي الضغط للفوز بمكاسب إضافية لا يقابلها أي تنازل كما حصل منذ الاتفاق الذي أُبرم برعاية الأمم المتحدة في ستوكهولم، ديسمبر 2018.
كانت اتفاقيه ذهبية بالنسبة له، فكت الطوق المضروب حول الحديدة، وهيأت له أن ينتقل بالمعركة إلى مأرب ومحيطها.
ولقد اشتملت الاتفاقية على فك الحصار عن تعز، إلا أن هذا البند حملته أدخنة المدافع والصواريخ، وبقيت المدينة تختنق، حتى جاء اتفاق الهدنة الأخير، وتضمن:
فتح مطار صنعاء وتسيير رحلات إلى عمان والقاهرة.
وقد تم بالفعل نقل 8000 راكب خلال المدة من 2 أبريل إلى 21 يوليو، بحسب بيان مكتب المبعوث الأممي.
السماح بدخول 36 سفينة محملة بالنفط خلال شهور الهدنة الأربعة. وقد دخلت 26 سفينة حتى 21 يوليو، تحمل 720.270 طنًا متريًا من البترول، وهي كمية هائلة بالقياس إلى 47 ألف طن متري فقط دخلت الميناء خلال عام 2021، بحسب مكتب المبعوث الأممي.
لا اعتراض على هذا بالطبع وبالقطع.
إن إغلاق مطار صنعاء لم يلحق الأذى بالحوثي، ولم يؤثر على موازين القوى في أي وقت.
لقد كانت قيادات الحوثي، ومعها الخبراء العسكريون والفنيون الأجانب، تنتقل بواسطة طائرة الأمم المتحدة والطائرات العمانية، وكان الشعب اليمني وحده المعاقب والمحاصر.
وقد عانى عشرات الآلاف من المواطنين، وأكثرهم مرضى، من العذاب والألم في رحلات طويلة وشاقة إلى عدن وسيئون.
وقد ترتب على حصار تعز وإغلاق طرقها الرئيسية، ارتفاع تكاليف النقل، والإرهاق الجسدي والنفسي. وفضلًا عن ذلك سيادة عنصر عدم الأمان، خصوصًا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.
هناك في النقاط العسكرية خضع المسافرون للإهانة والنهب والقتل.
إن كثيرين استبيحت دماؤهم وأزهقت أرواحهم، غير أولئك الذين اشتروا حياتهم بالمال وتحملوا الهوان.
لذلك كان فتح مطار صنعاء خطوة إيجابية، غير أنها تبقى ناقصة إذا لم تفتح أبواب تعز.
وعن منع تدفق المشتقات النفطية، قيل إن الحوثي يحصل على نفط مجاني من إيران، يستفيد من عوائده في تمويل المجهود الحربي.
والحق أنه من الطبيعي جدًا أن تلجأ إيران في ظروف الحصار إلى إمداد التنظيمات الموالية لها بالبضائع بدلًا عن النقد، وهي لن ترسل السجاد والفستق واللوز أو غيرها من السلع التي تدخل في قائمة صادراتها إلى الخارج.
إن النفط هو السلعة الوحيدة القابلة للتصريف في زمن قصير، وبأثمان محددة وواضحة.
ذلك لا يعني بأية حال أن تعذر إرسال النفط سوف يغلق جميع الأبواب أمام رغبتها في دعم حلفائها بالمال.
والتحالف العربي فشل في منع تصدير السلاح إلى الحوثيين، سواءً من إيران أو من أسواق السلاح في دول آسيوية وأوروبية.
أيًا ما كان، فإن منع إدخال النفط إلى اليمن، مثل عقابًا للمجتمع غير مقبول من الناحية الإنسانية ومن الناحية الأخلاقية.
إن التخلي عن هذا العقاب يعتبر هو الآخر عملًا محمودًا من غير شك، حتى وإن لم تكن الدوافع الأخلاقية وراء القرار.
وفي موازاته يعتبر الإصرار على مواصلة حصار تعز وأهلها، سلوكًا مشينًا.
ولئن كان الحوثي يتحمل مسؤوليته من الناحية الأخلاقية، فإن هذا لا يعني أن تنال الشرعية صك براءة بعد أن سكتت، في الواقع تخاذلت سنين عددًا.
كان على الحكومة أن تفك الحصار عن تعز بالقوة، وهي وعدت في أول منعطفات الحرب الحادة، وتحدثت وكررت أنها مصممة على أن تجبر الحوثي على الفرار، وأن ترفع علم الجمهورية في معقله بجبال مران.
وعندما قال قائد المقاومة، في ذلك الوقت، إنه ينصح الحوثيين بالانسحاب، قالها بلهجة عامية ساخرة: “عطفوا فرشكم”.
ولما لم تستطع بالقوة، فقد كان عليها أن تضغط بالدبلوماسية.
والغريب أنها فاوضت وحازت الحق بالنصوص، ثم تساءلت عند التنفيذ، وأعطت ما عليها من التزامات دون أن تتشبث بما هو حق لها.
وهل أقول إن الخيار الثالث المرير كان لازمًا؟
فما دام أنها عجزت بالقتال وفشلت بالدبلوماسية، فإن من الخير للناس هناك في المحافظة المظلومة، أن تتركهم للحوثي، وتأمر جنودها بأن “يعطفوا” هم “فرشهم”.
ما هي مطالب الحوثي الآن مع التوجه لتمديد الهدنة؟
مكتب المبعوث الأممي تحدث عن توسيع خطوط النقل الجوي من مطار صنعاء، لتشمل عواصم ومدنًا إضافية، وذلك مطلب حوثي بالتأكيد، لكنه في الوقت نفسه أمنية مواطنين كثيرين أتعبتهم القيود على السفر.
والمهم أن يترك أمر تحديد المحطات للمعطيات التي تبين الجدوى الاقتصادية كما تقررها الشركة.
في هذه الحالة لن توجد حاجة لفتح خط سياسي -عسكري بمعدل رحلتين في اليوم إلى عاصمة لم يكن الطلب عليها يسمح بتسيير رحلة واحدة في الأسبوع.
وتحدث مكتب المبعوث أيضًا عن ترتيبات تتعلق بالإيرادات، بينما يطالب الحوثي بعودة البنك المركزي إلى صنعاء. والمرتبات باتت قضية محورية في الأزمة والحرب التي استطالت بأصعب مما يقوى الناس على احتمالها، وبأكثر مما تسمح به الحروب في العصر الراهن.
إن القوة التدميرية الهائلة للأسلحة الحديثة، تتيح إمكانية تحقيق النصر بحرب خاطفة، فإذا ما استحال الحسم، وتحولت إلى حرب طويلة، فإنها تغدو إنهاكًا للمتحاربين ودمارًا لجيوشهم ومقدراتهم.
ويوم عين المبعوث الثالث البريطاني “مارتن غريفيث، أكد أن المرتبات هي الموضوع الأول الذي سيعالجه، ثم ذهب في اجتماعات ورحلات مكوكية لا صلة لها بالملف المهم.
لقد طاف في صحراء سياسية، ومشى بين أشجار بلا ثمار، ولا أدري إن كان قطف الشوك أو الحصرم حين أنجز شيئًا في ستوكهولم.
والحق أن مسألة المرتبات لا يجوز إخضاعها للمناقشات والمساومات، إذ إنها التزام على الحكومة الشرعية يتعين الوفاء به، وبعد ذلك يمكنها مطالبة الحوثيين بالإيرادات التي يتحصلونها بدون حق.
ومن بعد، فإن تمديد الهدنة ليس شرًا، بل هو خير كثير.
والمفيد لليمنيين أن تهيئ لمباحثات جادة من أجل إيقاف الحرب، ثم التفاوض على إقرار السلام وإعادة بناء الدولة.
* نقلا عن موقع "المشاهد نت"