ملاطف الحرازي ابن بلادي، وواحد من الحالات الاستثنائية الذكية والمحظوظة.
كان والده وبقية أشقائه يعملون في ضرب الطاسة والبرع، تمامًا كملاطف، كانوا يتجولون القرى الحرازية ليحيوا الأعراس والمناسبات بمبالغ ضئيلة جدًا، ومع هذا لم يتغيروا أو يشتهروا أو يتميزوا.
وحده ملاطف من أحدث الفرق، ملاطف نشأ في بيت يمتهن البرع، ويشتغل فيها، ويجيدها ويتفرد بمتطلباتها.
كانت الطاسة لعبته ووقته وكل تفاصيله وحياته، ليس من أجل الكسب، كلا، بل لأنها تستحوذ على كل شيء في حياة أسرته، لأنهم لا يملكون شغلًا سواها.
ومن هنا نشأت العلاقة المختلفة بين ملاطف والطاسة وموهبة البرع، كبر معها، وخبرها، وأجادها، وتمكن منها في عمر صغير وزمن قياسي، حتى أنها كانت الشيء الوحيد الذي لم يعرف عداها شيئا طيلة سنوات نموه وبلوغه.
اعتزاز ملاطف بالطاسة وعلاقته الحميمية بها أفرزت في داخله اعتزازًا قويًا بموهبته، وثقة صريحة بأحقيته.
وهنا حدث الفرق، فحينما تكون الحرفة الخاصة مصدر افتخار تحدث الفروقات، أما حينما تكون مصدر إحراج وتذمر فلا شيء يحدث بعدها ولا تغيرات تأخذ بحياة صاحبها لأحلامه وأمنياته.
اعتزاز ملاطف بحرفته جعلته سيدها وصيتها الجماهيري الأول، ومنها صنع شكله الفني الخاص، لتتحول العملية برمتها إلى ظاهرة خاصة، ظاهرة ملاطف الحرازي، كظاهرة جديدة وفريدة، يأتي بعدها المقلدون والمتقمصون والسائرون على نهجها وفي طريقها.
لهذا صارت تسريحة ملاطف إحدى معايير المهنة، وأصبحت دقته الخاصة به هي الأكثر رواجًا وتقليدًا بين جموع المبارعة وضاربي الطيسان.
ملاطف ليس موهوبًا، ولا يملك أيّ موهبة خاصة، لكنه يملك رغبة صادقة واعتزازا حقيقيا بحرفة أسرته وأهله، كأول مبرعي يتفرد بهذه الرغبة النادرة والمختلفة، خصوصًا في المجتمع اليمني القبلي المتعامل مع أصحاب حرفة البرع بانتقاص وازدراء.
ملاطف كسر هذا الانتقاص، وأزال ذلك الازدراء، وجعلها فنًا رائجًا وشكلًا فرائحيًا منافسًا ومطلوبًا ومحترمًا، وهو ما حقق نجاحاته وأحقيته بالتصدر.
ملاطف أوصل المبارعة إلى مرتبة الفن، والاحتراف والتعامل بالاحترام، وجعل لهذه الحرفة سعرًا محترمًا وتعاملًا يرقى للتعامل مع الفنانين والموهوبين.
لهذا فإن ظاهرة ملاطف عظيمة في نتائجها وعائداتها، وعمل استثنائي رفع من شأن صاحبها وزاد من أعداد المقبلين عليها وعلى ممارستها، كواحدة من أهم الحرف الشعبية الرائجة، بل وعزز ثقة المبارعة بأنفسهم، وزاد من قناعاتهم بأحقيتهم وجدارتهم في التفنن والإبداع.
ظاهرة ملاطف أنقذت شريحة واسعة من اليمنيين، وأذابت الطبقية والامتهان الطبقي للمبارعة وضاربي الطيسان.
لهذا ملاطف لم يعد شخصًا، لقد صار فكرة ومهنة وفنا.
وهذا انتصار بالغ الأهمية والاقتدار.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك