لا أجد تفسيراً لحالة الهيستريا التي تنتاب كثيراً من مسؤولي وناشطي وقيادات جماعة الحوثي جراء ما يحدث في المحافظات الجنوبية من تنفيذ قسري لما سبق الاتفاق عليه بين المكونات اليمنية عند إعلان مجلس القيادة وقبله اتفاق الرياض ويرفض حزب الإصلاح تنفيذ ذلك رغبة منهم في استبقاء قوة بأيديهم لا بيد الوطن تحمي مصالحهم الحزبية لا الوطنية، ورفضهم بصورة أو بأخرى تنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه في تشابه تام مع الحوثيين الذين ينقضون كل عهد وميثاق، وتحججهم باسم الوطن والوحدة وبكائياتهم على الجزر اليمنية وأخيرا شماعة العلم الوطني.
ما يثير الاستغراب هو الحملة المنظمة والمتناغمة بين الحوثيين والإصلاحيين حول (تمزيق) العلم اليمني والاعتداء عليه، والشطحات والدعوات الموحدة لتأجيج الوضع وتوجيه العنف ضد المحافظات الجنوبية والتحالف من كلا الجماعتين -الحوثي والإخوان- متناسين جميعهم أنهم مزقوا وطنا ودولة وشعبا، وحولوا اليمن إلى مستنقع لصراع بالوكالة لا ناقة لليمن فيه ولا جمل.
ماذا سيفرق تمزيق العلم وقد تمزق وطن بفعل شرذمة الحوثي وحليفهم الإصلاح، وهل من المنطق أن نبكي علما أصبح بلا دولة، بعد أن حولت جماعة الحوثي الدولة ومؤسساتها لمجرد مغانم توزعها بين الأسر الهاشمية التابعة لها والمنفذة لمخطط طهران، وبعد أن تم إفراغها من محتواها الوطني وتحويلها إلى مشروع ثقافي طائفي ومذهبي تنفذه الجماعة؟
وهل يمتلك الإصلاح وأتباعه وممولوه ذرة عقل أو خجل حين يتحركون بهكذا حجج ويتباكون على ما كانوا هم سببا في حدوثه؟ ألم تتحول الدولة والشرعية إلى بيدق بيد الإصلاح، ولسنوات سبع استخدمت الدولة ومؤسساتها كصولجان وأداة قمع وقهر واستبعاد لكل وطني وشريك في المعركة الوطنية المقدسة ضد الانقلاب.
سبع سنوات والإصلاح يتلقى الدعم غير المحدود ولأجله أقصى التحالف أغلب المكونات اليمنية أو تعامل معها بصورة ثانوية كونه ملتزما بالتعامل مع من تقدمه الشرعية الهادوية، وخلال السنوات السبع تمكن الحوثي من التمدد والتوسع في كل بقعة جغرافية يديرها الإصلاح وينفرد بها، ليس لقوة الحوثي، بل لخيانات الإصلاح وتخادمهم المكشوف معه، وكل ذلك تنفيذا لمخطط قطري إيراني يسعى إلى تقسيم اليمن بين هاتين الجماعتين، ولولا تحرك المقاومة الجنوبية ورجال العمالقة لكان الحوثي اليوم يرفع صرخته في أزقة وشوارع ومؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية، ولكان الإصلاح أيضاً يعيث الفساد والإرهاب لولا التصدي الباسل الذي أبداه المجلس الانتقالي وكل القوى الأمنية والعسكرية في عدن وشبوة وغيرها من المحافظات الجنوبية.
وكأن مهمة الإصلاح هي ذات مهمة الحوثي، استمرار الانقلاب، وتقاسم الثروة والسلطة بينهما، وإقصاء كل ما هو يمني واغتيال كل من له مشروع وطني جامع، ولهذا نرى تبادل العويل والأدوار بينهما، فعندما تقدمت قوات المقاومة الوطنية والعمالقة والمقاومة التهامية في الساحل الغربي ووصلت إلى جامعة الحديدة، ارتفع صراخ الإصلاح أكثر من الحوثي، وسارعت شرعيتهم آنذاك إلى عقد اتفاقية منقذة للحوثي (اتفاق السويد)، وهاجموا القوات المشتركة في الساحل إعلامياً وتآمروا عليها، ووصل الأمر بهم عبر وكيلهم في تعز المدعو (سالم) أن يطلق تهديدا علنيا بضرورة مهاجمة المخا واستعادتها كما قال، وحينها كنا نتساءل هل يتم استعادتها من طرف وطني يقاتل الانقلاب بعد أن حررها من الحوثيين، وأين كان سالم وحزبه ومليشياتهم عن المخا وهي قابعة تحت السيطرة الحوثية لأربع سنوات؟
واليوم نرى عويل الحوثي وانزعاجهم الكبير لاستعادة شبوة من قبضة الإخوان، وتهديداته باستهداف من يستهدف الإخوان، ودعواته لإعلان التحالف بينهما، رغم أن التحالف موجود والتنسيق مستمر.
ما يجب أن يفهمه الإصلاح وقواعدهم أنهم أساؤوا وأفسدوا، ولم يتعلموا من الدروس مطلقاً، وكأن قدرهم هو الذل والهوان، فبدلاً من أن ينسحبوا وفقاً لما اتفقوا عليه، خصوصاً في اتفاق الرياض وعند إنشاء مجلس القيادة، خصوصاً في المجال العسكري المتضمن أن تتولى كل محافظة من المحافظات المحررة تأمين نفسها عبر قوات النخب والأحزمة التي تعمل تحت لواء الشرعية وتنسجم مع الهدف الأسمى وهو دحر الانقلاب والانقلابيين وكل القوى الفاسدة والمتنفذة، وكذلك الدفع بقوات المنطقة الثانية إلى مارب وغيرها من خطوط التماس في المحافظات الشمالية، وتوحيد الجهد العسكري لكل القوى من أجل استكمال التحرير، بدلاً من التنفيذ الطوعي والالتزام بما توافق عليه اليمنيون، نراهم يختارون طرقاً تفقدهم كل ما بيدهم وترسلهم إلى وضع بائس لا يتمناه لهم أحد.