"الجوع، التجهيل، المرض" ثلاثي عانت منه اليمن في زمن الإمامة التي اتخذت من هذا الثالوث سياسة متبعة ومنهجا تدير به الحكم، زد على ذلك البطش والتنكيل بكل حُر يعترض هذه السياسة والوضع المزري، وكأن قدر اليمن المعاناة على يد من يدعي الحكم باسم الله بحجة الاصطفاء الذي يجد أنه تحقق له، وفقاً لخرافة عرقية خالفت ما قاله النبي الكريم بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن لا أفضلية لعربي أو أعجمي إلا بالتقوى.
اليوم، ومنذ سنوات سبع نعيش ما كان يرويه الآباء والأجداد عن ظلم الإمامة وجوعها ومرضها، وما كنا نعتقد أنه مبالغ فيه أصبحنا نعيش تفاصيله ونتجرع مرارته، ونرى كيف تطال يد أحفاد الإمامة "الحوثيين" كل ممتلكات اليمنيين وكيف أعادوا الثالوث المميت بعد أن كان قد تلاشى نسبياً خلال سنوات الجمهورية الممتدة من 1962 حتى 2015، وزاد الحوثيون على ما فعله أجدادهم باليمنيين بأنهم بكل وقاحة وكذب ينهبون كل ما أمكنهم نهبه بما في ذلك حياة اليمنيين ومستقبلهم، مستخدمين مؤسسات الدولة التي سيطروا عليها لتحقيق مآربهم، وسطوة العنف والسلاح والإرهاب خارج تلك المؤسسات لأخذ ما تبقى.
منذ فترة رفعت شركات الاتصالات نسبة الضرائب المأخوذة من كل رصيد يقوم بتعبئته المواطن اليمني، بناءً على قرار من سلطة الجماعة الحوثية في صنعاء، متعللين بأنهم قاموا بتخصيص 1% من تلك الضريبة للشهيد أو ما يسمى "أسر الشهداء" شهداء حرب الجماعة، و1% قالوا إنه سيخصص للمعلم "حوافز للمدرسين". إلا أن الواقع يثبت عكس ما برروا به، فالمئات من الأسر التي فقدت معيلها (الاب، الابن، أو الاثنين معاً) يعانون من العوز والحاجة والبؤس الذي يتجرعه عموم الشعب اليمني، وغصتهم مضاعفة -فقد وحرمان وحاجة-، وأما المدرسون فلم يستلموا فلساً واحداً مما يتم نهبه باسمهم، وباتت العملية التعليمية ميتة ومعطلة في القطاع الحكومي الذي يفتقد لأدنى مقومات التعليم فلا دوام منضبط ولا حصص أكثر من ثلاث إلى أربع ولا كتب دراسية، ولا شيء سوى ممارسة سياسة تدمير التعليم الحكومي لصالح الاستثمار التابع للجماعة وشريكهم حزب الإصلاح كونهما معا مسيطرين على التعليم الخاص والذي أصبح لمن استطاع إليه سبيلا.
إنها سلطة الإتاوات، ودولة الجبايات، وحكومة النهب، لم يتبق شيء لم يفرضوا عليه جباية وإتاوة، وما زالت يدهم ممدودة لجيب المواطن، حتى الصرف الصحي وعربات الشفط لم تنجُ من النهب، ليثبت الحوثي صدق كل رواية عن كارثة الإمامة والحكم باسم الحق الإلهي، وأعطى درسا لليمنيين بأن البؤس والجوع والتخلف والموت مقرون بحكم هذه السلالة وتحكمها في مصير اليمن واليمنيين.