ماجد زايد
مونديال قطر وتداعيات فوز الفساد والرشاوى
فازت قطر بتنظيم بطولة كأس العالم على حساب أميركا واليابان واستراليا وكوريا الجنوبية، في واقعة صدمت الأميركيين والأوروبيين وجعلتهم يظهرون أمام العالم بأشكال مهزومة ومفجوعة وغبية، ولكنهم خلال خمسة أعوام لاحقة جعلوا الاتحاد الدولي لكرة القدم وأعضاء اللجنة التنفيذية والعمومية للفيفا يدفعون الثمن غاليًا من أنفسهم ومناصبهم ومستقبلهم الوظيفي.
منذ العام 2010 وقطر تعاني جدًا من تبعات ما دشنته اليوم، لكنها واجهته بطريقة قوية ودبلوماسية ومتماسكة، بالتزامن مع حملات شرسة وبشعة ومتكررة منذ أول أيامها في الانتصار.
لأجل الفوز بكأس العالم قبل عقد من الزمن، اشترت قطر نادي باريس سان جيرمان، النادي الرئيسي في باريس، وضخت أموالًا ضخمة فيه، وقدمت شبكة بي إن سبورت ملايين الدولارات مقابل حقوق البث الحصرية للدوري الفرنسي، وقدمت صفقات تجارية كبرى للرئيس ساركوزي بما يعادل سبعة بليون دولار، من بينها شراء طائرات إيرباص من فرنسا، كل هذا لأجل كسب صوت الأمين العام وعضو اللجنة التنفيذية للفيفا.
ولأجل حيازة المونديال قدمت اتفاقية غاز ضخمة لتايلاند لكي تضمن صوت الممثل التايلاندي، وقدمت ثلاثمائة مليون دولار لعضوين في اللجنة التنفيذية مقابل صوتيهما، واشترت قطعة أرض من أحد المصوتين لها بـ32 مليون يورو، وقدمت للبرازيل مشاريع بمئات الملايين من الدولارات لكي يصوت لها العضو البرازيلي.
وقدمت ملايين الدولارات لرئيس الاتحاد الإفريقي، عبر صديقه رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم آنذاك وعضوي اللجنة التنفيذية للفيفا رجل الأعمال القطري "أبو همام" الرجل الذي اتهم بعدها بالفساد ولأجل سكوت رئيس الاتحاد تم الإطاحة به.
بالمقابل فشلت قطر في ضم رئيس الفيفا "بلاتر"، مع عدة شخصيات أخرى في الاتحاد،
بلاتر كان داعمًا وبشدة للملف الأميركي، ولكنه وبسبب الفشل دفع الثمن من رئاسته وسمعته ونزاهته.
بعد فوز قطر بالمونديال أقام الأمريكيون الدنيا ولم يقعدوها، وذهبوا يلاحقون الاتحاد الدولي عبر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وقاموا بتسخير الإعلام والمؤسسات الصحفية على نزاهة قطر وأحقية قطر، وبسبب هذا عانى القطريون جدًا جدًا من حملات الترويج والتحريض والتشكيك، خصوصًا من ناحية الجغرافيا الصغيرة والتضاريس الجوية الحارة، والضحايا المقتولين في أعمال التشييد والبناء.
أكثر من عشر سنوات فائتة مرت على قطر بصعوبة بالغة، هذا ما تظهره ملامحهم دائمًا، بعدها قام الأمريكيون بحركة جريئة جدًا، وتحديدًا في العام 2015 قبيل انتخابات رئاسة الفيفا بيومين فقط، يومها أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وإدارة الضرائب مذكرات اعتقال بحق قيادات الاتحاد في سويسرا بتهم الفساد وبيع كأسي العالم السابقة والحالية، كأس روسيا وكأس قطر، على حساب دول أكثر أحقية وقدرة تنافسية، ليقوم الأمن السويسري باعتقال كبار القيادات خصوصًا المصوتين لصالح ملف قطر.
باستثناء "بلاتر' الرئيس الفعلي للفيفا، وبعد مفاوضات طويلة ارغموا بلاتر على الانصياع لما يريده الأميركان منه، فوافق على الفور وأعاد الانتخابات الرئاسية وفاز بها مجددًا، وبعد خمسة أيام فقط لم يتحمل الضغوطات الأمريكية والأوروبية والإعلامية وأعلن استقالته من منصبه، في تحد واضح للأمريكيين، لكنهم استفردوا به بعدها، وأذلوه إعلاميًا ومهنيًا، وأصدروا بحقه حظرًا عن العمل والمنافسة لثماني سنوات قادمة.
كل هذه العواقب، والانهيار التنظيمي للفيفا كان نتيجة فوز قطر على أميركا في تنظيم كأس العالم 2022، هذه الغصة العميقة لدى القطريين لم تنته منذ سنوات، وما زالوا إلى اليوم يعانون منها خصوصًا تجاه الإعلام الغربي والأمريكي.
لكنهم في الخلاصة كسبوا التحدي، ووصلوا ليومهم الموعود وأقاموا الاحتفال التدشيني الأول، هذا بمجمله يحسب لهم، ولقدرتهم وإرادتهم، لكنهم تعرضوا لحملات بشعة جدًا من العنصرية والازدراء، وهو ما تظهر ملامحه في تعاطياتهم مع عمليات التشكيك الممنهج لأحقيتهم النزيهة وقدرتهم الصريحة والمؤسسية، وهو ما يحاولون فعلًا الانتصار عليه أمام الرأي العام العالمي.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك