د. أحمد عبداللآه
سفر العالم وأساطير المونديالات.. قطر داخل أسوار الملاعب
أحداث متنوعة شهدها العالم في السنوات القليلة الأخيرة.. بدأت حين انطلق شعار "لا أستطيع التنفس" بعد حادثة جورج فلويد التي هزّت الولايات المتحدة واعتقد كثيرون أنها ستقود إلى تفاقم الانقسامات في المؤسسة السياسية الحزبية وفي الإعلام لكنها لم تضف متغيراً إلى الحياة سوى التراكم الضئيل البطيئ لأحداث متشابهة هناك.
وفي كل مرة تستمر أمريكا كما هي محافظةً على تاريخها وصورتها وحكاياتها بدءاً من بوكاهونتاس ابنة البوهاتان وجون سميث، كما أوردها فيلم ديزني برواية مزورة، وانتهاءً بجورج فلويد.. رغم الفوارق وتبدلات الزمن.
وفي نفس العام دخل العالم في ملكوت الفيروس العظيم كورونا ورأى كيف صرخت شرفات روما في وجه ذلك الكائن الميكروسكوبي بالوتر والمقامات بعد أن فرضَ إغلاقا تاريخيا شاملا على دول العالم وتسبب بخسائر بشرية ومادية هائلة.
ومع ذلك لم يتغير العالم كثيراً.
ثم حرب روسيا على شقيقتها التاريخية أوكرانيا وحرب الغرب بالوكالة على خصمه الأزلي روسيا وكيف تحول الإعلام إلى تنين جحيمي ينفث تنويعات مخيفة على أخبار التداعيات الكارثية المنتظرة وتهويلها.
لكن العالم لم يتغير بينما الحرب والحروب مستمرة.
الآن سيستريح العالم في العاصمة القطرية ويلتقط أنفاسه وينتظر أن تبهره هذه الدوحة الصغيرة التي سخّرت كل شيء ليحس وكأنه أمام إلهة الجمال في أساطير المونديالات ولتبقى، كما يتمنى امراؤها وشيوخها، رمزية خالدة.
هكذا يستريح الكون شهراً واحداً من عبء الاحتمالات والتفكير بما مرّ به من أهوال إعلامية كانت تستحضر لأذهان البشر هرمجدون نووية تأتي على كوكب الأرض وتعلن نهاية التاريخ البشري قبل أن ينتقل جزء منه إلى جار فضائي من العائلة الشمسية.
وفي المقابل يأمل كثيرون بأن تتخلى الدوحة، كما هو منتظر، لشهر واحد عن مهمتها السياسية والإعلامية في "توتير" الساحات العربية دعماً لجماعة دينية تحمل على عاتقها (إدارة شئون الخالق) على الأرض المسطحة، وتسعى حثيثة لاستحضار إمبراطورية تاريخية إلى جوار "العالم المتحضر"، بعد أن أرهقت الشرق بالشعارات والمسارات والتزييف الحلال.
لكن إن أردت الحق عزيزي الرياضي واللا رياضي ومعشر "المشجعين" وبغض النظر عن أي شيء فإن الدوحة قد نجحت اليوم في تحقيق الاستضافة الاولى لمونديال كرة القدم في الشرق الأوسط وهو حدث كبير بكل المقاييس حمّلها نفقات تاريخية وكلفها أعباء كبرى خاصة وانها لا تسعى من ورائه إلى تحقيق أرباح مادية بقدر ما تعتبره استثماراً للفوز بعائدات معنوية ستضعها في سجلات التاريخ الحديث بين عواصم يقترن اسمها بأحداث تحرك اهتمامات الأجيال.
فالدوحة، كما هو واضح، لا تهتم بالعوائد المادية التي تعتبرها دول أخرى حافزاً رئيساً للتنافس على استضافة المونديالات.
من ناحية أخرى، وكما اتضح من مباراتها الأولى في استاد البيت، فإن الدوحة لا تمتلك الصنعة الرياضية المتجذرة ولا تسعى البتة إلى حيازة أي لقب أو الوصول إلى النهائيات.
وبالتأكيد لا يمكن وضع أدنى مقارنة مع حال البرازيل في خمسينات القرن الماضي حين شيدت ملعب ماراكانا العظيم لاستضافة أول مونديال بعد توقف طويل جراء الحرب العالمية الثانية.
ومع أن خسارتها آنذاك أمام أوروجواي في تلك النهائية تركت ندوباً غائرة في روح جمهورها وفرقها المتعاقبة لكنها أدهشت العالم غير مرة وأصبح فريقها هو الأكثر تتويجاً.
لقد حاولت بعض الأوساط الغربية ومن خلال إعلامها أن تنبش كل ما له علاقة بحقوق الإنسان والديمقراطية في مواجهة ذهاب العالم نحو مونديال قطر لكن تأثير ذلك تضاءل مع الوقت ونجحت الدوحة في تدشين كأس العالم لعام 2022م واعتبره أميرها مونديال كل العرب.
كما أن العرب رغم كل ما يفرقهم يحملون مشاعر إيجابية تجاه نجاح الاستضافة خاصة وقد امتلأت الدوحة بالعالم المتدفق إليها وظهرت وكأنها بلد يهيم داخل أسوار الملاعب.