ليس في اليمن "دولة عميقة"، بالمفهوم المتداول في مصر أو تونس أو تركيا أو حتى أمريكا.
لكن لو قلت "فوضى عميقة"، سيكون الكلام معقولا أكثر وأقرب إلى الحقيقة.
فلا شيء في هذه البلاد أعمق وأكثر أصالة واستمراراً من الفوضى.
إذا كان ولا بد من الحديث عن "دولة عميقة" في اليمن، فهي "القبيلة"، ودستورها هو "العرف القبلي" الموروث، والذي يتألف من مجموعة من القواعد والأحكام الشفاهية غير المكتوبة.
ليس هذا مدحاً ولا قدحاً للقبيلة، بل تقرير لحقيقة يمنية قديمة حزينة، على الرغم من أن هذه الحقيقة لم تعد اليوم ماثلة في الواقع بنفس الفعالية والوضوح والتحديد الذي كانت عليه في الماضي.
والقبيلة اليمنية "قبائل"، والعرف القبلي "أعراف".
ولو لم يكن من دافع لوصف القبيلة بـ"الدولة العميقة" سوى قدرتها العجيبة على الاحتفاظ بكونها الممثل الدائم للحد الأدنى الضروري من التنظيم الاجتماعي الذي يبقى بعد زوال الدول، وما أسرع زوال أو انكماش الدول الكبيرة في تاريخنا الوطني.
وهكذا، فالقبيلة شكل أولي من "الدولة".. لكنها دولة من نوع خاص، وبمعنى محدود للغاية يشير إلى القبيلة فقط كـ أداة احتياطية جاهزة للصعود في كل مرة لسدّ فراغ السلطة الناجم عن غياب دولة مركزية أو عن ضعفها.
فهي إذاً "الدولة" التي يمتلكها مجتمع اللادولة، أو هي "نائبة الدولة الغائبة"، على غرار "نائب الإمام الغائب".
إنها بالأحرى صيغة بديلة للوجود الاجتماعي يتجاور فيها، على صعيد واحد، النظام مع الفوضى، السلام والحرب، الاندماج والتشظي، التاريخ والطبيعة.
والقبيلة، بهذا المعنى، لا شك عميقة أعمق من كل الدول والممالك التي جاءت وذهبت طوال تاريخ اليمن.
أميل إلى ما نقله بول دريش عن (باتريشيا) كرون (مستشرقة بريطانية من أصل دينماركي) عن أن القبائل والدول ليست مراحل زمنية متعاقبة، وإنما هي استجابات بديلة للمشكلة الأمنية.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك