كان مضمون خطاب العقلانيين العرب أن التغيير لا يمكن اختصاره في البعد الاقتصادي (التنمية) او البعد السياسي (تغيير الحاكم) وأن هناك أبعادا أعمق للتغيير تبدأ من تغيير المجتمع والثقافة.
وكان هذا الخطاب نتيجة لفشل نموذج التنمية الاقتصادية الذي ركز على تحديث البنى التحتية وبنى المستشفيات والمدارس والجامعات وتأسس الاحزاب والجمعيات لكنها ظلت جميعها تدار بعقلية القبيلة والطائفة والعشيرة.
كان أبرز ممثلي خطاب العقل وتغيير الإنسان والثقافة هم فؤاد زكريا، ومحمد عابد الجابري، ونصر أبو زيد ومحمد أركون.
ومن مصادفات الاقدار أنهم رحلوا جميعا قبل شهور من الربيع العربي!
رحل فؤاد زكريا في مارس 2010، ومحمد عابد الجابري في مايو 2010، ونصر أبو زيد في يوليو 2010، ومحمد أركون سبتمبر 2010.
كان الجابري قد تحدث عن "اللاشعور السياسي" الذي يقبع تحت القشرة الشكلية الخفيفة لأفكار الديمقراطية والحرية والتعدد، وقال: إن اللاشعور السياسي العربي لا يزال مأسورا لنموذج القبيلة والعقيدة والغنيمة وما نتج عنها من أنظمة الولاية والخلافة والسلطنة والحكم بالحق الإلهي والغلبة.
وعلى ما يبدو كانت ساحات الربيع العربي تظهر "الشعور السياسي" للحرية والديمقراطية والمدنية وتبطن اللاشعور السياسي للقبيلة والطائفة والعشيرة والاقصاء والقوة.
ربما جاءت أحداث الربيع لتؤكد صحة كثير من أطروحات العقلانيين العرب.
لكننا للأسف حرمنا من مساهات هؤلاء العمالقة في نقد أحلام ومآلات وأساطير الربيع.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك