أحمد عبدالله

أحمد عبدالله

الدراما اليمنية بين الإبداع وضعف الإمكانات

Wednesday 26 April 2023 الساعة 05:06 pm

في كل عام نكون على موعد مع الدراما اليمنية الموسمية (شهر رمضان) التي ينقسم المشاهدون لها بين مؤيد ومنتقد. وغالبا ما يتم النقد والتأييد للممثلين باعتبارهم واجهة الدراما اليمنية، لكن ما يجهله المشاهدون هو أن الممثل هو جزء من سلسلة متصلة الحلقات حتى نصل إلى مرحلة متقدمة من الإنتاج الدرامي، وفي السنوات الأخيرة حدث تطور ملموس في الإنتاج الدرامي فبعد أن كان الإنتاج محصورا على القناة الرسمية للدولة أصبح هناك الآن تنافس في ما بين القنوات لإنتاج العديد من الأعمال وبمختلف اللهجات اليمنية من حضرموت وعدن وتهامة وتعز وأب وصنعاء كل حسب موقع التصوير والقصة التي يتمحور حولها. 

الدراما اليمنية والعربية والعالمية

لا يملك المشاهد القدرة على الفصل بين ما يشاهده من المسلسلات، فيقيم الجميع بغض النظر عن الدولة المنتجة، لأن المجال أصبح مفتوحا وجميع ما يعرض يصل إليه بمختلف الوسائل عبر الشاشات والهواتف المحمولة بما في ذلك المسلسلات الأجنبية والمترجمة. وهنا نوجه رسالة للجمهور مفادها أنه لا يمكن بأي حال من الأحول مقارنة الدراما اليمنية مع نظيرتها العربية مثل: المصرية أو السورية وحتى الخليجية وذلك لعدة أسباب أذكر هنا أهمها:

السبب الأول: في اليمن لا يوجد شركات إنتاج بما تحمله الكلمة من معنى، وما زال إنتاج المسلسلات يعتمد على القنوات الفضائية الممولة والتي تسعى إلى إنتاج درامي بأقل التكاليف الممكنة وهذا هو أهم أسباب تدني مستوى الأعمال التلفزيونية اليمنية. فعلى سبيل المثال لا الحصر المعدات اللازمة لتصوير مشهد خارجي في أي مكان يحتاج إلى خمس أو ست شاحنات تحمل معدات التصوير والإنتاج، ناهيك عن الطاقم الفني الكبير من مساعدي الممثلين إلى طاقم التصوير والإضاءة والصوتيات ومساعدي الإخراج والخدمات الإنتاجية من ملابس وكلاكيت ومدربين للكمبرس ومدربين للممثلين لتأدية الأدوار وغيرها الكثير وصولا إلى عمال البوفيه والأمن. 

السبب الثاني: فهو ضعف الخبرات للطاقم الفني بدا بالإخراج وحتى الممثلين لقلة الإنتاجات التلفزيونية والتي كما قلت سابقا إنها موسمية فلو كان هناك إنتاجات متعددة لاكتسب الكادر الفني خبرات من الأعمال المنتجة تراكميا.

السبب الثالث: ضعف الاحتكاك مع الكوادر الفنية الأجنبية ذات الخبرات العالية فتجد في الدراما الخليجية مزجا بين الكوادر المحلية والأجنبية على الأقل على مستوى الكادر الفني من مخرجين ومنتجين وتصوير وهذه العملية بدأت تظهر تحسنا من الناحية البصرية وكذلك الموسيقى التصويرية على الأقل في بعض المسلسلات التي أنتجت خارج اليمن. 

السبب الرابع: أغلب من يعمل في مجال الدراما هم أناس غير مؤهلين أكاديميا وإنما هواة أو أصحاب خبرات ومن تعلم ودرس بشكل تخصصي هم أناس يعدون بالأصابع سواء من الممثلين أو المنتجين وحتى المخرجين وباقي الطاقم الفني. وأنا هنا لا أقلل من قيمة المواهب الفنية، لكن المفروض أن ترتبط الموهبة بالجانب الأكاديمي حتى تصبح محترفة وهذا هو الحال في مختلف دول العالم فأغلب من نشاهد من الممثلين والممثلات هم من خريجي معاهد التمثيل وكذلك المخرجين وكتاب النصوص والسيناريو حتى الغناء يدرس في معاهد متخصصة وللأسف بلادنا لا يوجد فيها دراسات متخصصة في مجال الإعلام والتمثيل والمسرح والسينما وكذا المجال الفني للتصوير والإضاءة والصوتيات والديكورات. 

السبب الخامس: عدم وجود مدينة للإنتاج الإعلامي وبنية تحتية لإنتاج الأعمال الدرامية والسينمائية من استوديوهات كبيرة ومواقع تصوير مجهزة مسبقا بالمعدات والديكورات اللازمة، بالإضافة إلى البيئة المحيطة والظروف السياسية وواقع الانقسامات التي تفرض قيودا على مواقع التصوير الخارجي.

أبرز إنتاج هذا العام من الدراما اليمنية

أنتجت هذا العام العديد من المسلسلات وأغلبها كانت تفتقر إلى القصة والسيناريو وحتى الكوميديا باستثناء مسلسل العالية ومسلسل قريب بعيد، فكلاهما كان يرتكز على قصة وظهر جليا توظيف الجهات المنتجة لهذه القصة لصالحها وحاولت إيصال رسائل إلى الجمهور من خلال هذه القصة. ورغم اختلاف الأزمنة التي كانت للقصص إلا أنها كانت تتصادم في أفكارها. فمسلسل العالية أعطى شيخ القبيلة الدور المحوري لمقاومة الظلم والاستعباد للنظام الحاكم وهو المدافع عن رعيته بماله وأولاده، وعلى النقيض مسلسل قريب بعيد الذي جعل الشيخ هو الظالم الهمجي الذي لا يمتثل لسلطات الدولة وهو من ينهب حقوق الرعية، وصور الإنسان اليمني بصورة همجية لا يقدر على تصويبها إلا الأجنبي صاحب اللهجة الشامية الذي تربى على الأخلاق والمثل الحميدة، ذو العقل الراجح والأفكار البناءة. لكن في هذا المقال سوف أتعمق في عرض ونقد مسلسل العالية الذي اعتبره في وجهة نظري أضخم إنتاج لهذا العام ويحمل قصة تلامس الواقع والوجع الذي يعاني منه الوطن.  

 مسلسل العالية:

بشكل عام المسلسل بذل فيه جهد جميل وتم إخراجه بشكل رائع من قبل المخرج الشاب المبدع وليد العلفي الذي أبدع في إخراج المسلسل بحبكة درامية شيقة واختيار مواقع مناسبة وكذلك موسيقى تصويرية مزجت بين التراث الشعبي والموسيقى المعاصرة حتى معالجة الصور وجودتها السينمائية التي كانت بشكل جميل ومحكم، كذلك الديكورات والإكسسوارات والملابس مثلت الحقبة الزمنية التي تكلمت عنها القصة. الممثلون أيضا أدوا أدوارهم ببراعة وإبداع أذهل المشاهدين وتم تقمص الشخصيات بطريقة فنية جميلة.  

لم يذكر في المسلسل من كاتب السيناريو وهو من أهم الوظائف في الأعمال الدرامية والسينمائية فهو من يحول النص أو القصة إلى حوارات ومشاهد وهو العمود الفقري لأي عمل درامي أو سينمائي. ولأن العمل جميل كان لا بد من وجود ملاحظات تؤخذ عليه نتحدث عن أبرزها.

كنت أتمنى أن تلامس القصة الواقع التاريخي الذي تحدثت عنه تصريحاً لا تلميحاً، فمن وجهة نظري كان من الأفضل أن تتحدث صراحة عن الحقبة الزمنية التي كان يعيشها أبناء الشعب في عصر الإمامة بدلا من الترميز باستخدام لفظ الحاكم وحاكم المدينة كان يفترض أن يكون الإمام وعامل الإمام وهكذا.

• عدم وجود حركة في التصوير والاعتماد على المشاهد الثابتة رغم أن الحركة تضفي صورة جمالية على التصوير وهناك عدة وسائل تقنية تستخدم اليوم لعمل لقطات متحركة وتصوير جوي.

• عدم استخدام العدد الكافي من الكمبرس لإضفاء عنصر الواقعية على المشاهد فعندما نتحدث عن سكان قرية بأكملها من رجال ونساء وأطفال ونجد عددا قليلا أمام الكاميرات وأغلبها هي الشخصيات التي تدور حولها القصة فهذا أمر معيب. أيضا عندما نسمع الجنود يتحدثون عن جيش جرار ونشاهد أربعة أو خمسة مسلحين فهذا ضعف في الإنتاج ولا يعطي المشاهد مصداقية وهو أمر يمكن  توفيره ولا يحتاج إلى تكاليف كبيرة فقط ملابس وأشخاص.  

• أستغرب من عدم استخدام جميع الأدوات التي تمثل العصر الذي نتحدث عنة فمثل الحمير كانت تستخدم في حمل الأشياء لم نجد الأثوار تحرث الأرض ولم نجد الخيول. فكيف يكون حاكم وطاغية ولا يملك وسيلة مواصلات يتفاخر بها أمام الرعية فنجده يتنقل مشيا على الأقدام في مشاهد مبتورة وكانت هذه الأشياء استكمالا لما تم عمله من ديكورات وملابس وغيرها.

• المبالغة الدرامية في بعض المشاهد الحزينة التي كانت تأخذ حيزا أكثر مما يجب، كما كانت هناك الكثير من المبالغات لشخصية قطام التي كانت مثارا للجدل ورغم إبداع الممثل عامر البوصي لها إلا أن بعض المشاهد كان فيها الكثير من المبالغة في الأداء.

• تحول الشخصية المحورية في نهاية المسلسل الشيخ فاضل الذي قام بأداء دوره الفنان القدير والمبدع قاسم عمر وكان يمثل شرارة الثورة وفجأة تحول إلى درويش في الجبل، تاركا أهله وكل ما يؤمن به من مبادئ وفي آخر حلقة يقول إن سبب هذه العزلة هو أنه مستحي من  زوجته لأنه خذلها وهذا انتقاص من الشخصية التي أعطيت دور البطولة، فلو أنها قتلت لكان خيرا لها من الدروشة والبكاء على الأطلال.

• مشاهد الحرب لم تتسم بالواقعية المطلوبة، بالإضافة إلى جنون أغلب الشخصيات، هلال والحاكم وأيضاً مانع في بعض المشاهد، أمر مبالغ فيه وقتل مانع لهلال في الوقت الذي كان يستهدف شداد الذي هزمه وأخذ منه المشيخة وغيرها الكثير من الأخطاء التي لم تتم معالجتها بطريقة مقنعة للمشاهد.

ختاماً:

التاريخ اليمني مليء  بالقصص والروايات التي يمكن أن ينتج منها العشرات من المسلسلات في حال توفر الإمكانيات ومسلسل العالية صور جزءا من هذا المشهد، والدراما اليمنية ملزمة بتوثيق الحقب التاريخية التي عاشتها اليمن حتى لا تندثر كما هو حال الدراما العربية التي جعلتنا نتعرف على أم كلثوم وسعد زغلول والاحتلال الفرنسي والعثماني لسوريا والاحتلال البريطاني لمصر وصولا إلى قطز وعمر بن عبدالعزيز وعمر بن الخطاب. ويجب على المنتجين تحمل الأعباء والتكاليف للخروج بأعمال درامية لائقة وتنافس في الوسط الفني، فلا داعي لإنتاج أربعة أعمال ضعيفة وهزيلة ويكفي أن تنتج عملا أو عملين ذات جودة عالية حتى تحترم المشاهد ويبادلك المشاهد نفس الاحترام.