"النرجسية" تنمي في داخل كل إنسان مساحة للـ(أنا) وهي جزء من تعقيد تكويننا البشري ولكنها تبرز وتتضخم بتأثير من الأضواء التي تسلط على من يتولون القيادة والرئاسة حتى تصل إلى درجة تصبح هي المسيطرة والمتحكمة في كافة أفعاله وردات أفعاله.
وعلى القادة الذين يؤمنون بمشروعهم بصدق أن يراقبوا هذه أل(أنا) باستمرار فهي مؤشر واضح على الدرجة التي وصلت إليها "نرجسية القائد".
والأخطر عندما تتصاعد هذه النرجسية بشكل أعمى.
فنجاح القائد في مرة سابقة لها ظروفها، قد لا يكون ناجحا في مهمة أخرى، كأن تتحول الحروب من حروب دفاعية إلى حروب هجومية مع تغيير مكان المعركة وتوسع مساحتها، أو أن يتحول موقعه من حرب عصابات إلى حرب نظامية.
فحينئذ يستمر الفعل القيادي خاضعا لنرجسية عالية، فيبدأ الانحدار الأخلاقي ومعه تنحدر القيادة.
والقيادة تشبه بلعبة "النرد"، فإذا ما بدأ اللاعب الماهر يدرك أنه يحقق الخسارة تلو الأخرى، فإنه يستطيع تحديد الوقت المناسب للانسحاب، والخضوع لشروط المنتصر، حفاظا على مكاسبه السابقة ومنعا للمزيد من الخسارة التي تنبع من حب المغامرة وروح المقامرة التي لن تفضي إلا إلى الندم والخسران المبين.
ولذلك فهو لا يقامر ولا يغامر بحيث لا يقدم على خطوة إلا وهو متأكد من نجاحها.
كما لا يظن أن خسارته في لعبته الرئيسية يعوضها أن يترك لعبته الرئيسة وساحتها ليلعب في ملعب آخر لعبة لن تكسبه شيئا مهما أحرز فيها من نجاح.
في حين أن اللاعب الفاشل هو ذلك اللاعب الذي يكرر المقامرة ولا ينحني للعواصف الهوجاء فتراه يستمر في المقامرة وتتراكم خسائره حتى الإفلاس.
وكما هو الفرق بين اللاعب المقامر واللاعب الماهر هو نفس الفرق بين القائد العظيم والقائد النرجسي.
فالقائد العظيم هو الذي يعرف أنه إذا كان مهمة جيشه هي ركوب الأمواج فإن مهمته كقائد مراقبة قوة المد والجزر –الجذب- فيدرك الوقت المناسب للانسحاب، ويحرص على جنده من الغرق، والاصطدام بالعواصف الهائجة.
ومن صفاته أن يكون ملما بأحداث التاريخ، فلا يخضع للمستشارين، وحماس المحيطين، بل همه ينحصر في تقليل حجم الخسائر عندما تتحقق أول خسارة يخسرها، وذلك لأن الحكمة تقول بأن "مغالبة الغالب نقصان في العقل" أما النرجسي فإنه يستمر في المقامرة التي تورده وتورد أتباعه المهالك.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك