في بداية الأزمة الروسية-الأوكرانية كان الإعلام الروسي يعرض ممارسات وأفعالاً يسميها بالـ"جرائم النازية" مما يرتكبه ممثلو الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بحق المواطنين من أصول روسية في أقاليم دونيتسك ولوزانيسك وخيرسون وغيرها من المناطق ذات الأغلبية الروسية في أوكرانيا.
وتكررت الاتهامات الروسية للرئيس الأوكراني بالنازية والسلوك النازي وما تزال.
أغرب ما في ردود الأفعال الغربية ذات التوجه المعادي لروسيا وبالذات لغزوها للأقاليم المذكورة كان يتكرس في تساؤل يحمل من الغرابة مثلما يحمل من الغباوة وهو: كيف يكون زيلينسكي نازياً وهو يهودي؟؟!!
حتى إن الكثير من المتابعين على صعيد العالم لم يكن يعلم شيئا عن الانتماء الديني لهذا الـ"زيلينسكي" إلا من خلال هذه التساؤلات الخرقاء.
وبعيدا عن الاسترسال فقد كانت تلك المراكز الإعلامية، التي لا تخلو من الحضور الصهيوني بالفكر أو بالمال أو بالدعم السياسي، تحاول تكريس فكرة أن "اليهودي" -أي يهودي- لا يمكن أن يتبنى سلوكاً عدوانياً إجرامياً على غرار ما فعلته النازية الهتلرية خلال الثلاثينات من القرن الماضي وأثناء الحرب العالمية الثانية، وهي مقدمة لنفس الفكرة الصهيونية التي تكرس نظرية "شعب الله المختار" التي انطلقت منها الحركة الصهيونية في بناء دولة إسرائيل العنصرية العدوانية.
* * *
لا يمكن لكل من اطلع على تاريخ القرن العشرين والحربين العالميتين اللتين شهدهما إلا أن ينظر بتقزز واستهجان إلى النازية وجرائمها، لكن معظم المؤرخين قد حصروا جرائم النازية والحرب العالمية الثانية في المحرقة الهتلرية ضد اليهود وأسدلوا الستار عن أكثر من أربعين مليون ضحية وآلاف المدن وعشرات الآلاف من المرافق الحيوية التي تم تدميرها في حرب إجرامية كان طرفاها يقاتلان بأرواح البسطاء تسابقاً على الاستيلاء على أكبر عدد من أسواق العالم، وهذا ليس موضوعنا هنا.
* * *
وبالعودة إلى عنوان موضوعنا هذا نعود للإشارة إلى أن التساؤل "كيف يكون نازياً وهو يهوديٌ؟".
قد جاءت أحداث غزة الأخيرة وقبلها كل الجرائم الصهيونية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني منذ مذابح دير ياسين وكفر قاسم إلى مذبحة صبرا وشاتيلا وقانا وأخيرا مذابح غزة خلال الشهرين الأخيرين، هذه المذابح والهولوكوستات المتعددة، التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء بينهم مسنون ونساء وأطفال رُضَّع وبعضهم من الخُدَّج.
كل هذا جاء ليؤكد أن السلوك والفكر النازيين والنازية عموماً ليست حكراً على جنس أو سلالة أو عرقٍ معينٍ دون سواه من بني البشر، وأن الصهيونية على وجه الخصوص هي أرضية أيديولوجية وسياسية حاضنة للسلوك النازي.
فإذا كانت النازية الألمانية المقيتة تقوم على نظرية "الجنس الآري المتميز على بقية الأجناس" فإن الصهيونية تنطلق من نظرية "شعب الله المختار" الذي ميزه الرب على بقية شعوب الدنيا.
إن فلسفة قتل الأطفال والمسنين والنساء والرجال وحرق كل ما له صلة بالحياة للشعب الفلسطيني تنطلق من وصية أشعياء التي يقول فيها للشعب اليهودي "اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا"، وهي تمثل البذرة الأساسية للنازية الصهيونية.
وقد سمعنا قادة النظام الصهيوني يكررونها باستمتاع وتشبث هذه الأيام وهم يقصفون المدن ويدمرون المستشفيات والملاجئ بما فيها مخيمات اللاجئين ومدارس الأمم المتحدة وكل مرفق مدني حيوي وفرض الحصار المطبق على كل ما يقدم سببا من أسباب الحياة للفلسطينيين من ماء وغذاء ودواء ووقود واتصالات وكهرباء وسواها.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك