محمد العلائي
"الخليج هبة النفط".. ما العيب في ذلك!
اعتاد ما يُسمَّى الفكر العربي التقدمي أن ينظر إلى نهضة دول الخليج بعين الشك والانتقاص.
وحُجَّته أنها إنما جاءت بفضل طفرة مالية زائلة حدثت بمحض الصدفة، فهي لا تدل على عبقرية ولا تفوق من أي نوع، وليس فيها جدارة ولا استحقاق،
وكل ما نتج عنها مطعون في قيمته!
وقد يوجز القصة هكذا:
مجتمعات بدوية عانت الفاقة والبؤس فاستيقظت ذات يوم على كنز ضخم بقي مدفوناً ومجهولاً تحت أقدامها في أعماق الأرض ملايين السنين.
لا شك أن القصة في مقدماتها صحيحة.
أما النتائج التي تُبنى عليها فباطلة.
الطبيعة حكمت على تلك المجتمعات وحكمت لها.
حكمت عليها بالشقاء لقرون طويلة ثم حكمت لها بالسعادة.
مجتمعات كثيرة في أنحاء المعمورة وعلى مر العصور حدث لها شيء كهذا، كان للعوامل الطبيعية [وهذا يشمل الجغرافيا والتضاريس والمناخ وخصائص الأرض والتربة] دور حاسم في تصميم أقدارها أو في تحويل وجهتها من الشقاء إلى السعادة أو العكس.
نحن مثلاً نسمع المصري يردد باعتزاز وفخر تلك العبارة القديمة الخالدة للمؤرخ اليوناني هيردوت "مصر هبة النيل"، ولا نلومه أو ننتقص من حضارته التي يعيد الفضل فيها للنهر العظيم،
فلماذا نريد من الخليجي أو السعودي أن يخجل لو قيل له "الخليج هبة النفط"؟
مياه النيل ثروة طبيعية تماماً مثل النفط والغاز.
وكلها لا يد للإنسان في خلق وتكوين وتوزيع عناصرها، ما يستطيعه الإنسان هو فقط حُسن استغلالها في حالة مياه النيل، أو السعي لاكتشافها وحُسن استعمال عوائدها في حالة النفط.
نقول: ظهرت الحضارة المصرية العظيمة على ضفاف وادي النيل. ما المانع لو قلنا أيضاً:
ومن آبار البترول في العصر الحديث تدفقت الأموال فتحولت صحاري وقفار شبه الجزيرة العربية إلى مدن كبيرة مضيئة وأبراج لامعة وواحات مشذبة أنيقة!
ما العيب أن يكون النفط والغاز سببا حاسما من أسباب النهضة والتحضر والتمدن والتعليم والتنوير والانتظام؟
كون النفط ثروة ناضبة لا تدوم، فهذا لا يغير من حقيقة أنه كأي ثروة طبيعية مطلوب من الإنسان العاقل الاستفادة منها على أكمل وجه في تعمير الأرض وتحسين شروط الحياة.
لكن هل النفط هو العلة الوحيدة للنهضة الخليجية؟
لا نوافق على ذلك.
النفط علة رئيسية، لا ريب في ذلك،
لكنه ليس العلة الوحيدة.
هناك مناطق في العالم لم يفعل النفط فيها ما فعله في الخليج، وهو ما يعني وجود علل إضافية إلى جانب النفط تجمَّعت وتفاعلت في منطقة الخليج ونتج عنها ذلك النموذج الفريد من التطور والرفاه.
في هذا السياق، هناك قصة ذات مغزى رواها خير الدين الزركلي في كتابه "شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز".
تقول القصة إن رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي أوفد مندوباً عنه إلى الملك عبد العزيز وذلك بعد حرب العرب الأولى مع إسرائيل عام 1948م: "فقابل الملك في الرياض وأخبره أن شكري بك يرى للحد من مساعدة الأميركيين لإسرائيل، أن يقطع البترول عن أميركا.
فانتفض عبد العزيز، وقال: يا الله! البترول منحة من الله! كانت أمي حين تدعو لي تقول: اللهم ملكه ما فوق الأرض وما تحتها! وهل تحتها إلا البترول؟ قل لشكري: لا تعلِّم عبد العزيز الوطنية! نضالنا في القضية، ونحن أغنياء، خير لها من نضالنا ونحن فقراء".
ويا له من رد مدهش!