حتى الربع الساعة الأخيرة ما قبل فتح حمم النار، كانت القناة الخلفية للوساطة تشتغل، على مقايضة التعهد بوقف قصف السفن، مقابل التراجع عن استهداف الحوثي، ومع كل الفرص المبددة جراء تصلب موقف الأخير، تأتي تصريحات المتحدث باسم الجماعة، لتعلن مفاجأة جماعته بعملية القصف، ووصفها بالغادرة، وكأنها ابنة لحظته ونبت من الفراغ، ولم تكن نتاج جهود لمحاولات سياسية دبلوماسية لإثناء الحوثي عن تهديد الاقتصاد الدولي والملاحة التجارية.
الاستيعاب المتأخر للنتائج قاد إلى إخراج القوات الحوثية عن جهوزيتها، وطوح بها سنوات نحو بداية التأسيس أو الانقلاب، عشرات الطلعات الجوية وبنك الأهداف المتعدد، وطبيعة قوة النيران غير المسبوقة، المنطلقة من توماهوك والغواصات والطيران والأساطيل، لن تجعل الحوثي مهما حاول ترميم جسده وتعويض خسائره عبر إيران، أن يعود ثانية بذات القوة، وعلى الصعيد السياسي لا بد كمعطى للقصف متعدد الجنسيات، أن تتغير شروط التفاوض ومسودة الحل الخاص بخارطة الطريق، وتصاغ بنود الاتفاق بشروط ميزان قوى جديد، بتقليص مزايا ومكاسب الحوثي السابقة، حين كان هو الأقوى وصاحب الكعب العسكري العالي، الآن جميع الأطراف على درجة متساوية من الضعف، ما يساعد على تمرير تسوية ما يعرف بتسوية الضعفاء.
صحيح أن لا قرار دولي لإطاحته، ولا قرار بتحريك الوضع العسكري في داخل اليمن، ولكن يبقى حوثي ما بعد الثاني عشر من يناير لا يشبه ما قبله، وعليه لا بد وأن يُعاد توزيع حصص التسوية ثانية وفق جديد سقوف الأحجام.
هل يغامر الحوثي بالعودة إلى ذات سابق شططه غير المحسوب باستهداف السفن؟
احتمال قائم لدى تحشدات القوات الغربية، وتدفقات الأساطيل ما زالت مستمرة من دول الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن الحوثي إن أقدم على فعل غير مدروس، سيتلقى هجمات تصبح معها ضربات صباح الجمعة الموجعة مجرد بروفة أولى ورسالة إنذار.
مرة أُخرى، هل يرد الحوثي على هدر كرامته العسكرية أمام قواعده؟ ربما مسموح له بفعل شيء ما هامشي ذي صلة برد الاعتبار، ولكنه لن يسمح له أن يذهب حد استهداف مباشر للسفن التجارية وتهديد الملاحة الدولية كما كان عليه الوضع سابقاً وأخذ اقتصاد العالم ورفاهه رهينة.
ومع كل ذلك يمكن للمغامرين أن يعيدوا إنتاج أخطائهم للمرة الثانية، معتقدين أنها ستنتج هذه المرة واقعاً مختلفاً، وستطرح نتائجَ مغايرة!!
* من صفحة الكاتب على إكس