د. علي العسلي
من وحي المحاكاة لحركة (13) يونيو التصحيحية!
هذا اليوم هو تاريخ مميز عند الشعب اليمني؛ ففيه قامت حركة الــ13 من يونيو التصحيحية، 1974؛ وفي يومنا هذا، تمّ التواصل بين سكان تعز بعد حرمان دام تسع سنوات.. هذا اليوم، هو يوم "معياري"، كما وصفه المتآلق سامي غالب؛ يوم تاريخي عظيم.. تهانينا وتبريكاتنا بالمناسبتين وعلى الجميع!!
ونحن إذ نحتفي بالذكرى الخمسين لحركة الـ13 من يونيو التصحيحية، فإنه يتوجب علينا لفت نظر وتذكير رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه، ولو من باب المحاكاة البسيطة للحركة، وأتمنى عليهم إن أرادوا النجاح، التعمق في تفاصيل الحركة وقراراتها ومنجزاتها!
وأحب أن أذكر الجميع، بأن حركة الــ13 من يونيو التصحيحية، ما كان لها أن تحدث، لو كان الوضع لا يستدعي قيامها؛ فهي جاءت في العام 1974 استجابة لتطلعات الشعب اليمني بعد أن حصل انحراف عن مسار أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، 1962.
وعلى العموم يمكننا القول إننا في اليمن، اليوم نعيش الجمهورية الرابعة، والتي أتمنى أن تكون هي الجمهورية الخالدة والمستمرة!
فالجمهورية الأولى.. (خمس سنوات)؛ امتدت من 1962م إلى 1967م.. وترأس الجمهورية المشير البطل (عبد الله السلال)، وتخلل تلك المدة حروب وصراع مرير بين الجمهوريين والملكيين في سبيل تثبيت الثورة والجمهورية، وانتهت برحيل المشير (السلال) من السلطة بانقلاب الــ5 من نوفمبر 1967م، في الوقت الذي كان خارج البلد، في زيارة رسمية للعراق.
أما الجمهورية الثانية.. (سبع سنوات)، حيث امتدت من الــ5 من نوفمبر، 1967 ولغاية الـ13 يونيو 1974؛ ترأس المجلس الجمهوري فيها القاضي الرئيس (عبد الرحمن بن يحيى الإرياني)؛ وبهذه المدّة وبسبب التسامح من بعض الجمهوريين المعتدلين، كما يوصفون، تغلغل إلى مواقع الأحزاب والدولة الحساسة الإماميون بثوب جمهوري؛ وحدث ما كان يخشى منه- ارتداد شبه كامل عن أهداف ثورة الـ26 سبتمبر.. حيث تمّ إفراغ الجمهورية من محتواها ومبتغاها.
إن الاعتدال والحكمة والوسطية عند الجمهوريين المنفتحين إيجابياً آنذاك، أنتجوا لنا نصف جمهورية شكلاً، وملكية كاملة مضموناً؛ إذ تم استيعاب واحتواء الملكيين؛ ودائماً ما تكون سياسة الباب المفتوح، هذه نتيجتها.. احذر.. لا ينفع التكرار مع الإماميين الحوثيين يا قادة الجمهورية الرابعة؛ فالتجريب بالمجرب خطأ!
والجمهورية الثالثة..(أربع سنوات وثلاثة أشهر)، امتدت من 13 يونيو، 1974 إلى 11 أكتوبر 1978؛ قامت حركة الـ13 يونيو التصحيحية العظيمة، بقيادة ابن اليمن البار، الشهيد إبراهيم محمد الحمدي.. هذه الجمهورية، هي التي أرادها الشعب اليمني؛ ولذلك نحن نستذكرها بإجلال كل عام. ونحن اليوم نحتفي بها في الذكرى الخمسين لها، متمنين استنساخها.. خمسون عاما ولم ولن تمحى من ذاكرة الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل لنجاحها.. لقد لبّت وجسّدت تطلعات وأمنيات كل اليمنيين، وأهداف ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م.
لم تقم هذه الحركة، إلا عندما انتشر الفساد وغيّب الأمن، وعطل الدستور القانون، وازداد الخوف من القتل، وكثرت التقطّعات؛ إلا عندما جيوش المنتفعين المتمصلحين كانت هي المهيمنة.
وبقيام الحركة اختفت العصبيات القبلية والنزاعات الطائفية والثارات والصراعات المسلحة، وتلاشت الوساطات والمحسوبيات والرشاوى، وتحقق الأمن والاستقرار.. فأنتج كل ذلك.. بناء أول دولة حديثة في اليمن وفق الدستور والقانون، وتحققت التنمية، وأخرجت الطاقات الكامنة للمساهمة في بناء اليمن.. بذلك استطاع الحمدي وإخوانه تفكيك كل التحالفات التي كانت عائقاً لبناء الدولة الحديثة.
أما الجمهورية الرابعة.. (من 1978 ولغاية الآن)، ترأسها (الرئيس علي عبد الله صالح) الأطول حكما من بين رؤساء الجمهورية؛ إلى أن قامت ضده انتفاضة تحولت إلى ثورة الـ11 من فبراير 2011م أفضت لرحيله من السلطة؛ ثمّ تمت تسوية سياسية سميت بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، بموجبها انتقلت السلطة إلى الرئيس عبدربه منصور هادي؛ إلى تلك النكبة (انقلاب) الـ21 من سبتمبر، 2014، من قبل الحوثيين؛ والتي لا تزال فصولها مستمرة، ومقاومتها ومقارعتها تحت قيادة الدكتور رشاد العليمي مستمرة..
ولكي يتحقق النصر الناجز، فإنني أتمنى على الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه إن أرادوا النجاح في قيادة الجمهورية الرابعة؛ أن يدرسوا بعمق وتفصيل، كل مجريات وقرارات حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية، للاستفادة منها لحل التحديات والمشكلات التي نعيش!
إن واقع اليمن بعد نكبة 21 سبتمبر؛ هو نفسه الذي كان قبيل قيام حركة الـ13 يونيو.. ولذا أدعو رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه، أن يدعو لعقد مؤتمر شعبي عام يتم التناقش فيه؛ على ما اختلف فيه مما جاء في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مؤتمر شعبي عام يفضي إلى توقيع ميثاق وطني وبرنامج سياسي لمدّة انتقالية محدّدة. بغرض تهيئة الظروف والبيئة المناسبة والقانونية اللازمة للانتقال للدولة الاتحادية المتفق عليها.
وأحث كذلك -من وحي المحاكاة- رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه؛ على استكمال هيكلة الجيش والأمن في أقرب الآجال.. فحركة 13 يونيو حققت كل ذلك النجاح؛ لأنها أعدّت مؤسستي القوات المسلحة والأمن -كماً وكيفاً- لتكونا أداة وحيدة بيد الشعب بعد أن كانتا صورة من صور التمزق، وميداناً للمنتفعين يتسابقون بهما وعلى حسابهما لمصالحهم الذاتية الضيقة..
إذ لا بد من بناء جيش وطني كأداة طيعة للشعب وحماية مبادئه ومكتسباته.. ولا يمكن تحقيق أي انتصار خارج مؤسستي الجيش والأمن.. لذا.. يتوجب بناؤهما لتكونا هما الوحيدتين اللتين تملكان السلاح لحماية السيادة والدستور والقانون وجميع المؤسسات وكل المواطنين.
وأناشد رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه أيضاً -في ظل الأوضاع الإنسانية والغذائية والخدماتية المتردية، استحضار التجربة التعاونية الناجحة في فترة حكم الشهيد الحمدي؛ وأطالبهم بإعادة إحيائها وتبنيها؛ خصوصا ونحن نشاهدها في معظم الأرياف اليمنية حاضرةً في غياب الدولة ومشاريعها الاستثمارية والخدمية.. نعم! على مجلس القيادة الرئاسي إن أراد تحقيق نجاح ما؛ القيام بإعادة تنظيم هيئات التعاون الأهلي والتطوير.
ومن وحي المحاكاة أيضاً.. فلا حلّ للمشكلات الاقتصادية، إلا باتباع التخطيط العلمي، بإعداد خطة خمسية لكل البلاد ولكل المناطق فيها "ريفاً وحضراً"؛ فاليمن بحاجة لإعادة الإعمار وتشييد البنى التحتية اللازمة لتنفيذ أي خطة اقتصادية أو تنموية طموحة.. ينبغي تحطيم الفوارق بين اليمنيين وفي مستويات معيشتهم، إذ لا يجوز هذه الفوارق في سعر العملة وفي التحويلات وفي الرواتب كذلك.. أيعقل أن يكون -مثلاً- راتب واحد في المناطق المغتصبة، يساوي أربعة رواتب في مناطق سيطرة الشرعية؛ وينبغي في الخطة الخمسية التي ستقر؛ أن تقلص مؤشرات التضخم والبطالة والركود الاقتصادي، وكذا ينبغي أن تستوعب الخطة المقترحة، الصحة والتعليم والثقافة وشتى المجالات.. فالخطة الخمسية، ليست إلا خطة علمية بدلاً من التخلف والتخبط، على طريق بناء اليمن الجديد.. يفضل إعداد خطة خمسية شاملة؛ تناقش تفاصيلها بمؤتمر دولي يدعى لهذا الغرض. للخروج من التحدي الاقتصادي الذي تواجهه الحكومة، وتحصن الجيل والشباب من تجريف عقولهم بأيديولوجية الكراهية الحوثية.
ومن وحي المحاكاة.. يستحسن من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه؛ العمل على إعادة تجربة حركة يونيو التصحيحية، بتفعيل الرقابة الشعبية، فأتمنى عليهم إحياء شعار التصحيح المالي والإداري، إذ يتطلب هذا الأمر إنهاء مراكز القوى والشللية من على مستوى المديريات وحتى رئاسة الجمهورية.. فإن لم يتم تبنّي اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري، فعلى الأقل- يمكن تفعيل هيئة مكافحة الفساد مع إدخال بعض التعديلات في هياكلها، بحيث تتضمن الرقابة الشعبية.
ومن وحي المحاكاة؛ فإنني كذلك أحث رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه؛ الاستمرار في إصلاح القضاء وتحقيق استقلاله، مع الاهتمام بإنشاء القضاء الإداري.. فمن وحي المحاكاة.. فإن حركة 13 يونيو، كانت قد أعادت تنظيم السلطة القضائية؛ فاستحدثت محاكم نوعية، واهتمت بالنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية.
وأرغب بدعوة رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه أيضاً، بالاهتمام بأمانة رئاسة الجمهورية، أتمنى عليهم إعادة ترتيب رئاسة الجمهورية بأمانتها العامة بمكاتبها ودوائرها المتخصصة وبإنشاء مراكز أبحاث ودراسات متخصصة تتبعها.
إذاً.. ومن وحي محاكاة حركة 13 يونيو؛ فإننا ننتظر من قياداتنا السياسية الكثير.. إذ أتمنى عليهم استلهام ذلك الإرث التاريخي الوطني لمعالجة الحاضر والذهاب للمستقبل بخطط موضوعية علمية، تعالج الاختلالات وتقوم بالتطوير في إطار بناء يمن اتحادي ديمقراطي فيدرالي..
والحقيقة أن حركة 13 يونيو، جديرة بالاهتمام والاستفادة للخروج مما نحن عليه اليوم؛ تجربة سياسية واقتصادية علمية على أساس جمهوري ديمقراطي تعددي سياسي لا مذهبي أو ديني.
فما أحوجنا اليوم لمثلها للخروج من دائرة التخبط والارتجال والاستبداد والسلالية؟ لننتقل لبناء يمن اتحادي جديد..
وجمعتكم مباركة وعيد سعيد، وكل عام وأنتم بألف خير..