الازدحام الشديد في جدول المناسبات والمسيرات التي يدعو إليها الحوثي بشكل دائم في مناطق سيطرته، أنهكت الناس وأتعبت أقدامهم سيراً ووقوفاً وأرخت سواعدهم لفرط رفعها هتافاً، وإن كان هتاف أكثرهم ليس بدافع الإيمان بالفكرة والفكر الحوثي، ولكن القوة وسطوتها التي تمارسها هذه الجماعة على الناس لحضور المسيرات والمظاهرات في مختلف المناسبات الطائفية هي وراء هذا الهتاف الأجوف من الإيمان به.
كم هي صنعاء منهَكة من هذا الازدحام في المناسبات الطائفية التي لم تتوقف ولن تتوقف في ظل استمرار سيطرة الحوثية الإرهابية، زحمة أفرغت مناسبات الناس وأفراحهم من أوقاتها، بل وعملت على إلغائها، وتحويل الناس إلى اعتناق مناسبات أخرى ليس لها علاقة بتاريخ اليمنيين ونضالاتهم، مناسبات طائفية تكرّس مبدأ الولاء والطاعة لعبدالملك الحوثي والإيمان بشخصه كرجل مصطفى من السماء، تعاليمه لها صلة بالسماء وخطاباته هي انعكاس لرغبة السماء، وكأن الوعي اليمني تصحر ولم يعد يستوعب الحقيقة أو يستوعب سواسية الناس وشِرعة الله في محبة كل البشر.
ما إن ينتهي خطاب عبدالملك الحوثي حتى يُعلن عن آخر له لمناسبة طائفية أخرى، ويُجبر الناس على سماع تلك الخطابات وحضور المسيرات التي يدعو إليها بالقوة، القوة التي تمارسها الجماعة لحشد الناس إلى الميادين وتصويرهم على أنها طواعية للإيهام بشعبية الحوثي وشرعيته التي يبحث عنها من خلال هذه المظاهرات هي قوة تتشدد الجماعة في استخدامها بوسائل مختلفة.
الموظف عليه أن يثبت حضوره في الميدان من خلال التقاط صورة أو توقيع على اسمه أو يشاهده المسؤول الحوثي هناك، المواطن عليه أن يشعر المشرف في حارته بحضوره أو السير معه إلى ساحة المظاهرة، ليؤكد حضوره وبذلك يكون مستحقاً لأسطوانة غاز أو رفع تهمة العمالة عنه أو تهمة كراهية الحوثي معارضته... والخ.
مناطق الشمال منهَكة بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، ومنهَكة أكثر بسبب المناسبات الحوثية المستمرة التي لم تترك فرصة للناس للتحرك في البحث عن أرزاقها. لا يوجد فرصة لأن تعتذر عن الحضور والمشاركة في المسيرات، حتى وإن كنت على فراش المرض، فالصورة التي ستلتقط لك وأنت على ذلك الفراش ستبهرك بأن ولاءك الكبير للحوثي دفعك تخرج وأنت سقيم، وأنه ولاء يدل على حبك الكبير لشخص الحوثي، ستبهرك عندما تجد نفسك على وسائل الإعلام الحوثية وهي تمنحك شخصية وتتبنى بدلاً عنك أهدافاً ليست بأهدافك، ودوافعَ ليست بدوافعك لحضورك بذلك الشكل.. لكن القوة تجبرك على التسليم بذلك.