عبدالله إسماعيل

عبدالله إسماعيل

تابعنى على

الكاهن أحمد بن سليمان: الإمام الزيدي الذي شرعن الرهائن وأفتى بالذبح باسم الولاية

منذ ساعتان و 10 دقائق

أفول الدولة… وصعود الكاهن

عندما غربت شمس الدولة الصليحية بوفاة الملكة أروى بنت أحمد عام 532هـ، دخلت اليمن طورا من الفوضى السياسية والفراغ السلطوي، لم تلبث أن استغلته السلالة الزيدية لتعيد بعث مشروعها الكهنوتي من جديد.

 وبينما كان اليمنيون يتطلعون لمرحلة من البناء بعد إرث طويل من الحروب، خرج من عمران الخارد شبح جديد، اسمه أحمد بن سليمان بن شاور، معلنًا بدء دورة جديدة من الدم، باسم الولاية والإمامة والخرافة.

ينتمي ابن شاور إلى أسرة من طبرستان، (من شمال إيران حالياً) هاجر والده إلى اليمن، وفي لحظة فراغ سلطة، وبعد أن تخلّت الدولة المركزية عن مواقعها، وتنازعت السلالات المحلية الزعامة، وعلى غرار من سبقه من الكهنة، استغل الظرف التاريخي، وأعلن دعوته ليبدأ فصلا دمويا جديدا.

الكاهن الشاعر

منذ إعلانه الدعوة، ربط الكاهن أحمد بن شاور بين القوة المسلحة والتحريض اللفظي، فكان شاعرا وخطيبا ومقاتلا، يلهب القبائل بالقصائد، ويُرهب المخالفين بالفتاوى. 

قصيدته الشهيرة التي استهل بها عهده كانت إعلانا صريحا للحرب على اليمنيين:

لأُحكِّمنَّ صوارماً ورماحا    ولأبدلنَّ مع السَّماح سماحا

ولأقتلنّ قبيلةً بقبيلةٍ        ولأسلبنَّ من العِدا أرواحا 

◾ اليمن “دار كفر وخراج”

ما إن أعلن نفسه إماما، حتى بدأ حملة دموية ضد اليمنيين، اعتبر فيها اليمن "دار كفر وخراج"، وبرّر القتل ونهب الأموال تحت غطاء "الجهاد"، مستخدما فتاوى ابتدعها او مستندا الى فتاوى الكاهن الأكبر المجرم يحيى الرسي طباطبا.

 ورد في "المجموع الفقهي الزيدي" – ضمن فتاواه – قوله: "أهل اليمن لم يدخلوا في الطاعة إلا بالسيف، وهم قومٌ جفاةٌ لا يستحقون العدل إلا إذا خضعوا."

ولم يأتِ هذا المنطق من فراغ، بل هو امتداد لفكر جده الكاهن يحيى الرسي، الذي وصف اليمن بأنها كانت "على الجبر والكفر"، وأنه "استعان بقبيلة على قبيلة حتى أقام الدين"، وعلى ذات المنوال، نسج أحمد بن شاور دعوته، مستبيحا المجتمع اليمني بأكمله، وتحويله إلى ساحة حرب أبدية.

لم يكن ابن شاور وغيره من أئمة الزيدية يملكون الا كذبة النسب، وكانت هذه الورقة كافية – في نظرههم – لإباحة البلاد والعباد،  وباعتبار اليمنيين أهل جهل وفساد، ودينهم منقوص، ولا يصلح أمرهم إلا بإمام فقيه من "البطنين"، ولو جاء من طبرستان أو خراسان.

◾ تكفير الصحابة وسائر الأئمة

رسّخ أحمد بن سليمان العقيدة الزيدية الهادوية الجارودية التي أسسها الكاهن يحيى بن الحسين الرسي طباطبا، مضيفا إليها مزيدا من الغلو، فكفّر الخلفاء الراشدين، والصحابة بعمومهم قائلاً عنهم: 

"من سبق عليا بالخلافة فهو كافر، فاسق، ظالم." (من رسالته "الرد على العامة في تقديم الثلاثة")

كما حصر الإيمان في التسليم المطلق لأحقيّة سلالته بالحكم، معتبرا أن من خالفه كافر حلال الدم والمال، حتى لو كان من أتقى الناس، ورد في "الفنون" له: "كل من لم يرَ الإمامة في أهل البيت فهو ضال مضل، وإن صلّى وصام."

◾ غزوات دموية: تهامة، زبيد، عدن

الى تهامة، ارسل جيشا مكوّنا من مقاتلين يمنيين وطبريين، وقتل المئات من المدنيين، ونهب الأسواق، وأجبر السكان على التوبة عن معارضته، واجبرهم على الدخول في بيعته.

وفي زبيد، المدينة العلمية، التي دخلها قهرا سنة 550هـ، صادر الأوقاف، وأعدم ثلاثة من القضاة لمجرد أنهم لم يذكروه في الخطبة.

ذكر القاضي الزبيدي في "نثر الدر في تاريخ زبيد": "جاء المتوكل على الله في سنة خمسين وخمسمائة، فدخل زبيد قهرا، وصادر الوقف، وضرب أعناق ثلاثة من القضاة لأنهم لم يذكروا اسمه في الخطبة."

أما في عدن، فقد واجه مقاومة عنيفة من الزريعيين، فأمر بهجوم واسع على قرى لحج، واعتقل 120 شيخ قبيلة، أرسلهم رهائن إلى صعدة، وقُتل نصفهم في الطريق.

◾ نظام الرهائن: إرهاب منهجي

كان نظام الرهائن إحدى أدوات الكاهن احمد بن شاور الرئيسة في إخضاع القبائل، إذ أمر عماله بأخذ أبناء الشيوخ رهائن لضمان الطاعة، وفي رسالة له إلى أحد عمّاله في آنس، قال: "خذ منهم أولادهم رهائن، فإن خالفوا فاقتلوا أولادهم أمامهم، ليعلموا من هو الإمام." (الأنوار في سيرة الأبرار – مخطوطة محفوظة في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء)

وفي حادثة دامية، أمر بذبح سبعة أطفال من أبناء زعماء آنس لأن آباءهم خالفوا أوامره.

◾ القيل نشوان الحميري… صوت اليمن 

واجه المفكر والملك القيل نشوان بن سعيد الحميري الكاهن احمد بن شاور، ناسفا لعقيدة التفوق السلالي، ومدافعا عن الهوية اليمنية، وألف كتبا ورسائل تناقش بطلان ادعاء الحصر في فرية “آل البيت”، ومؤكدا أن الإمامة حق لمن تم اختياره وهي لليمني في المقام الأول.

في كتابه الحور العين قال: "ما نال أهل اليمن من هذا الفكر إلا سيفا وسوطا، وإنها لإمامة الشؤم لا الشرف."

■ دعوة الغزاة من مكة وطبرستان لحرب اليمن

لم يكتفِ ابن شاور بالتحريض المحلي، بل تجاوز الحدود ليستدعي الغزاة من الخارج. فكتب قصائد يبعث بها إلى أبناء الحسن والحسين في مكة وطبرستان، يطلب نصرتهم في "فتح اليمن"، وحثهم على تشكيل جيوش تخرج من الحجاز والشام وخراسان، لتقاتل أهل البلاد وتُمكّنه من الحكم. قال في إحدى رسائله الشعرية:

بني قومي وإخواني وقومي      ...    كرامُ الخلق إنْ ذُكرَ الكرامُ

وقد نصروا أبي الهادي قديما ...    ووالوا من يوالي واستقاموا

■ تكفير اليمنيين وتشريع التمييز الطبقي

من أخطر فتاوى ابن شاور كانت فتواه بـ تحريم زواج الفاطمية من غير الفاطمي، وهي الفتوى التي كرّست التمييز الطبقي في اليمن، ورسّخت مفهوم "الطهارة النسبية"، وفصلت المجتمع إلى فئة حاكمة وفئة محكومة، لا يربطهما سوى الإذعان القهري.

وقد وثّق هذه الأفكار المتطرفة في كتابه المعروف "حقائق المعرفة".

كما كان من فقهه العجيب إجازة الاستعانة بالفسقة والعصاة في إقامة حكمه، مبررا ذلك بأن الأنبياء استعانوا بالكفار، وبذلك فتح الباب أمام أسوأ عناصر المجتمع ليكونوا أذرعه وسيوفه، تمامًا كما تفعل الجماعات السلالية في كل زمان، ومنها الحوثيون اليوم.

■ عداؤه وتكفيره للمطرفية 

كانت فرقة "المطرفية" أحد أبرز تيارات الاجتهاد الزيدي، والتي أنكرت قصر الإمامة على البطنين، ودعت إلى أهلية الإمامة لمن توفرت فيه شروط العلم والعدالة من عموم المسلمين.

لكن ابن شاور لم يحتمل هذا الفكر، فشن حملة تكفير شعواء عليهم، وحرض القبائل على قتالهم، وأصدر الفتاوى ضدهم، حتى أن أحد مناصريهم، ويدعى زياد بن غانم، حين دافع عنهم في مجلس الكاهن، أجبره على السكوت قائلًا: "وما معرفتك بالمسلمين وأنت لا تدري ما الإسلام ومن أهله؟".

■ نهاية مهينة: كاهن أعمى يستجير بخصومه

بعد عشرات المعارك الفاشلة، وبعد أن فارقته القبائل وحتى إخوته، وقع أحمد بن سليمان بن شاور وهو شيخ طاعن في السن أسيراً بيد خصومه من آل العياني، ولم يجد أبناؤه حلاً سوى الذهاب إلى السلطان علي بن حاتم اليامي (ابن عدوه اللدود) والاعتذار له وطلب نجدته لإطلاق سراح أبيهم.

استجاب السلطان اليامي وحاصر آل العياني حتى أطلقوا سراح ابن سليمان، الذي خرج من السجن شيخاً ضريراً مهزوماً، ليقضي آخر أيامه في صعدة منعزلاً منسيا حتى وفاته سنة 566هـ

■ ختامًا:

حين نقرأ سيرة الكاهن أحمد بن شاور، لا نقرأ تاريخا ميتا، بل إرثا ما يلبث ان يظهر من رفات النسيان والغفلة، ليكرر المشهد، فالحوثي لا يفعل إلا ما فعله هذا الكاهن: ذات الفتاوى، ذات الخرافات، ذات الجبايات، وذات الاستعلاء السلالي

وإذا كان التاريخ قد أسدل الستار على حياة الكاهن احمد بن سليمان بن شاور، فإن فكره لا يزال حاضرا، في جولات الصراع والموت، وخطابات الولاية، ومنابر السلالة.

ولن نكسر هذه الدائرة الجهنمية، ما لم نسمِّ الأسماء بمسمياتها، ونفضح رموز الامامة الزيدية الهادوية وجرائمها، وجناياتها على اليمن أرضا وإنسانا، ونكتب تاريخ اليمن من جديد… بلغة يمنية خالصة.

من صفحة الكاتب على منصة إكس