د. جيرار ديب

د. جيرار ديب

تابعنى على

هل تتخلى إيران عن أذرعها في الشرق الأوسط

Saturday 23 August 2025 الساعة 08:32 pm

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إنه “لا يمكن سحب سلاح حزب الله في لبنان إلا بالحوار،” وأضاف أنه “لا يمكن سحب سلاح الحشد الشعبي العراقي بالقوة“.

ما صرّح به حسين يتماشى مع الزيارة الأخيرة التي قام بها أمين مجلس الأمن القومي الإيراني على لاريجاني إلى بغداد ثمّ إلى بيروت التي رأى البعض أنها ترتبط بموضوع إعادة ترتيب الأوراق الإيرانية في المنطقة من خلال التصاريح التي أطلقها على اعتبار أن لا أحد يستطيع سحب سلاح حزب الله اللبناني والعراقي تحت أي ضغط، حتى لو كان أميركيًا.

أتت الجولة المكوكية للاريجاني بعدما شعرت طهران بعد السابع من أكتوبر 2023، أن المنطقة ترزح تحت المظلة الأميركية، ما يعني ضرورة إقصاء أذرع إيران من المنطقة. لهذا أتى قرار الحكومة اللبنانية في 5 و7 أغسطس الجاري واضحًا من ناحية حجب الصفة الرسمية عن سلاح حزب الله والمطالبة بضرورة تسليمه.

كما في لبنان، كذلك في العراق، حيث تمارس واشنطن أقصى الضغوط لرفض تمرير مشروع قانون “الحشد الشعبي” الجديد، الذي على ما يبدو أن إقراره في البرلمان العراقي يعني ترسيخ حضور الجماعات المدعومة من إيران في العراق على حساب المصالح الأميركية في البلاد والمنطقة.

لا نقاش حول تراجع الحضور الإيراني في المنطقة، خصوصًا مع سقوط النظام السوري السابق، حيث شعرت طهران أن طريق المواصلات قطعت وأن النظام القائم الحالي لا يقبل بما كان عليه بشار الأسد الذي تحول إلى دمية بيد طهران. ولا شكّ أيضًا أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد استمع جيدّا إلى نصيحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة إلى طهران في مايو الماضي بالتخلي عن الحضور في الشرق أوسط والاهتمام بالمدى الجغرافي الإيراني في آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز.

وجدت طهران نفسها أمام تحديات كبرى، وإن من كانت تجدهم حلفاء لم يقفوا إلى جانبها في حرب الـ12 يوما مع إسرائيل كما يجب. لهذا أدركت أنها مجبرة إلى العودة إلى “الواقعية السياسية”، وإن حلم بناء الإمبراطورية الفارسية اصطدم بتعقيدات كبيرة ترتبط بحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو حول إسرائيل الكبرى، والمخطط الأميركي في رسم الشرق الأوسط الجديد، والأهم بانحسار الدور الروسي على صعيد المنطقة، لينتقل إلى اهتمامات كبرى تتعلق بمصلحة روسية القومية في السيطرة على إقليم دونباس الأوكراني.

تعزز إيران حضورها في منطقة آسيا الوسطى من خلال التقارب بحكم الجوار مع إسلام آباد التي زارها الرئيس الإيراني، حيث وجد أنه من الضروري تمتين العلاقة مع باكستان حيث يجمعهما عدوّ مشترك وهو تل أبيب. فإسرائيل التي دخلت في حرب مباشرة مع إسرائيل لم تزل حالة الحرب لاسيما بعد المناورة العسكرية التي أجرتها إسرائيل في البحر الأحمر الاثنين 18 أغسطس الجاري.

تعتبر باكستان أن ضرب إسرائيل لمفاعيل إيران النووية رسالة واضحة إلى مفاعيلها بعدما أطلقت تهديداتها باستخدام الصواريخ ذات الرؤوس النووية إن استمرت إسرائيل في عدوانها على إيران. هذا التهديد دفع بنتنياهو إلى كشف نوايا بلاده عن عدم السماح لأيّ دولة إسلامية أن تمتلك هذا السلاح. كما مع باكستان كذلك مع أفغانستان، إذ رغم الخلاف مع حركة طالبان، إذ تعد إيران من بين الدول غير الغربية التي قد تعترف بحكومة طالبان. وبالنظر إلى تداخل مصالح طهران وكابول في محاربة الجماعات المتطرفة كأعداء.

لقد شهدت العلاقة بين البلدين تقلبات عديدة حتى أنها اقتربت من الحرب عام 1998 ولكن مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية بين 2014 و2015 ومع عجز الحكومة المركزية الأفغانية السابقة في هزيمة التنظيم بدأت تتجه طالبان. واللافت أنه رغم أن إيران أعربت عن قلقها تجاه محنة الهزارة الشيعة في أفغانستان إلا أنها نادرا ما اعتبرت حمايتهم أولوية في سياساتها الخارجية مفضلة التركيز على مصالحها الجيوسياسية.

أكدت وزيرة الطرق وبناء المدن الإيرانية قرزانة صادق مالواجرد الثلاثاء 19 أغسطس، خلال اجتماع في يريفان مع وزير الإدارة الإقليمية والبنية التحتية الأرميني داويت خوداتيان، تطوير البنية التحتية للنقل وتعزيز التعاون في مجالي النقل والبنية التحتية وحلّ الخلافات المتعلقة بالعبور بين البلدين. وأضافت الوزيرة التي رافقت الرئيس الإيراني في زيارة رسمية إلى أرمينيا، أن هناك توقعات بين البلدين لاستكمال الربط السككي من الخليج إلى البحر الأسود عبر الأراضي الإيرانية بالتعاون بين إيران وأرمينيا وأذربيجان.

يكتسب ممر الخليج – البحر الأسود بالنسبة إلى إيران أهمية من جوانب عدة منها الانفتاح الجيوسياسي لمصالحها الاقتصادية وتحويل إيران نقطة إستراتيجية في منطقة البلقان. إضافة إلى أن هذا الممر يفكّ الحصار الذي سعت لترجمته الولايات المتحدة على إيران عبر تعبيد ممر “زنغزور” الذي يربط باكو بالعمق الأوروبي مرورًا بيريفان، مع استثناء إيران ومصالحها في المنطقة.

استطاعت إيران تدعيم حدودها الشمالية على بحر قزوين، كذلك الأمر بالنسبة إلى حدودها الشرقية في آسيا الوسطى. كما وتحافظ إيران على حسن الجوار مع محيطها العربي، تحديدًا الخليجي، فهذا ما أكد عليه بزشكيان في تصريحه في يونيو الماضي لفتح “صفحة جديدة” مع دول الخليج.

رغم هذا الترتيب لحدودها مع دول الجوار، والعمل على تعبيد ممرات تجارية وجعل من حضورها دورًا محورية في ربط الممرات التجارية. لكنّ هذا لا يستبعد عودة الحرب بين إسرائيل وإيران على اعتبار أن الأخيرة لن تتنازل عن وكلائها في المنطقة، ووسط تداخل مصالح الدول الإقليمية فيها. فالمؤكد أن إيران لن تقدم على التنازل عن مشروع بنته حوالي 40 عامًا وكلًفها المليارات من الدولارات لإنجازه.

فمهما تقدم المشروع الأميركي في المنطقة، فهو لا يعني أن إيران سترفع رايتها البيضاء، خصوصًا وأن حركة حماس لم تزل تفاجئ العدو في الميدان وتسقط عسكره بين قتيل وجريح، وإن ما حصل من هجوم الأربعاء 20 أغسطس، على مقر لواء كفير من مسافة دليل على أن إسرائيل لم تحقق أهدافها في غزة، وأن استمرار حماس في مقاومتها قد يعرقل المخطط الأميركي - الإسرائيلي، ومع تأكيد وزير الدفاع الإيراني عزيز نصر زاده لوكالة “إرنا” عن استعداد جيشه لأيّ هجوم إسرائيلي في المستقبل.

*صحيفة العرب اللندنية