منذ جريمة قتل أفتهان المشهري، تدور مناكفاتٌ واتهاماتٌ في مساحاتٍ افتراضيةٍ وصلت أبعد من السحاب، وتمّ تحويل مطلب الجميع في تعز، أحزاباً وأفراداً، بإنهاء الانفلات وتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين، إلى مادةٍ للصراع الافتراضي أيضاً، ودون ضوابط مهنية أو أخلاقية أو قانونية حتى.
الأحزاب تتفرج، بدلاً من أن تتحرك وتشكل فريقاً قانونياً من كل المكونات السياسية، ومن نقابة المحامين، لإدارة ملف القضايا وفرزها وجدولتها، من خلال متابعة ما هو في القضاء منها، ورفع ما هو خارج القضاء إلى المسار القضائي، وبشكلٍ مهني ينصف الضحايا ويحفظ حق الآخرين من دوامة الاتهامات المشرعة في الهواء.
الحملة الأمنية قامت بجهدٍ كبير، لكنها خُذلت، ووُضعت في دوامة إرباكٍ وضغطٍ غير منطقي، وتحريضٍ لا يمكنها أن تواصل مهمتها في هكذا مناخ، وفرزٍ وتمترسٍ سياسي وحزبي سيعيد الملف إلى نقطة الصفر، ويُضيّعه وسط دوامة الصراع واستدعاء ثارات الأمس الملعونة التي أنهكت تعز وأهلها.
الملف الأمني والقضائي يحتاج إلى مسؤولية من الجميع؛ لأن من فقد ابنه أو أباه أو شقيقه ليس كمن يعبث في فضاءٍ افتراضيٍّ خلف كيبورد وقائمة شتائم.
الأحزاب لم تتحرك، والقيادات العسكرية والأمنية أيضاً لم تتحرك، ومجلس القيادة الرئاسي كذلك لم يكن له حضور، وحتى الحكومة لم تتحرك ولو بتشكيل لجنةٍ لإسناد الجهود وضبط بوصلة ومسار المعالجات.
الجميع يتحدث عن تعز، وحب تعز، ويدّعي الدفاع عن تعز، لكن ما يحدث من صراخٍ افتراضي لا تستفيد منه تعز مطلقاً، بل يستفيد منه عدو تعز الرجيم الحوثي.
الوضع يحتاج إلى إجراءاتٍ على الأرض، وتحركٍ بمسؤولية، دون نبش خصوماتٍ كامنة أو فرض قناعاتٍ مسبقةٍ غير مهنية، في ملفٍ يحتاج جهداً مهنياً ناضجاً ومخلصاً للناس ولتعز ولجيشها وأمنها، ولكل فردٍ في مترسه يقدم رأسه دفاعاً عن تعز.
ليس كل مقاومٍ إصلاحياً، وكذلك ليس كل قاتلٍ ومجرمٍ وبلطجيٍّ إصلاحياً، كما أن ليس كل ضحيةٍ للانفلات من غير المنتمين للإصلاح. التعميم، وخطيئة التعميم، لا مكان لهما في ملفٍ فيه ضحايا رحلوا، وآخرون يمكن أن ينضموا إلى القائمة من المشاركين في الحملة الأمنية ومن الباحثين عن العدالة.
التراشق في فضاءٍ بلا ضوابطٍ ولا مسؤولية هو جهدٌ لا يضيف رصيداً لأي مكونٍ سياسي، ولا لمنطقةٍ جغرافية، وحسابات السياسة لا تُبنى على المراشقات في صفحات التواصل الاجتماعي.
انتصروا لمدينتكم وللمظلومين وللمستقبل، واسندوا ملف القضايا والحقوق لتحقيق العدالة بعيداً عن التسييس والشيطنة ومصارعة طواحين الهواء، وادعموا الحملة الأمنية وكل تحركاتها دون تخوينٍ أو انتقاصٍ من جهودها. بعد ذلك، الحق لن يغيب، ولا أحد يمكنه أن يغالط شعباً، وبالذات شعب تعز.
تعز أهم وأكبر من الأحزاب والأشخاص، فهي بيتٌ كبيرٌ لما يزيد عن خمسة ملايين إنسان، وليس من حق أحدٍ ادعاء تمثيلها أو تخوين من قاتل ودافع عن ترابها، أو فرز مجتمعها وفقاً لتوجهاته الحزبية والسياسية.
تعز حقٌّ لكل أبنائها، وعلى الجميع طاعتها والانصياع لمصالحها وأمنها ومستقبل أجيالها، فلم يقدّم الشهداء أرواحهم من أجل أن تتحول إلى حلبةٍ لصراعاتٍ عقيمة.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك