د. فاروق ثابت

د. فاروق ثابت

تابعنى على

ذاكرة حنين:العودة إلى دكان عبدالرب

منذ ساعتان و 40 دقيقة

بينما كنت اتصفح مواقع التواصل على رشفات الشاي داهمتني فجأة صورة لرجل قروي يجلس على باب دكان قديم، في إحدى قرى ريف تعز، لتاخذني تلك الصورة إلى دكان القرية وصاحبه الذي كنا نلقبه بـ"عبدالرب غازي الشرمان". كان عبدالرب مشهورا بإطلاق عبارته المحببة: "يا ناس الله"، وعندما يغضب يرددها بنبرة خاصة: "يا ناس الله، خلوا لي حالي!"

سندوتشات: البطاطا والفاصوليا والجبن، سواء بـ"النص" أو بـ"الكامل"، التي كان يقدمها، مرت عليها أجيال وأجيال؛ صار بعضهم اليوم محامين، وآخرين أطباء، أو أكاديميين، أو مهندسين، أو فنيين ومعلمين. كان دكان عبدالرب جزءا من طقوسنا اليومية في قرية كلابة شمال تعز. نأكل فيه، ونشتري منه "الجعالة"، ونتصادق ونختصم، نتشاجر ونتصالح، وكان يشكل ملتقانا اليومي الذي ننطلق منه لممارسة طفولتنا في اللعب والمرح.

وفي الأعياد، كان الدكان ملاذا لاقتناء "الطماش" والبالونات، نشتريها ثم نفجرها على مقربة من الدكان وسط ضحكاتنا الطفولية.

ولا تكتمل الذكرى دون الحديث عن اجتماعنا على لعبة "الكيرم"، التي كانت لها نكهة خاصة ممزوجة بعبق المكان المعطر ببودرة "الكيرم". والكرة "أديداس" الخاصة بالولد يونس كانت تطير بنا إلى مآثر رياضية لا تنسى. أما "السيكل بيدل" فكان لنا فيه مغامرات ذات شجون، نستأجره إلى "حجرة الأساس" ثم نعود، أو إلى "الردة"، في جولات محفورة في الذاكرة لا تمحى، نسابق فيها الريح والخضرة وجمال الوادي الممتد عن يميننا ويسارنا.

أبناء عبدالرب: عبدالرحيم "الفنان"، وعبدالعزيز "الصيني"، ومحمد "كركر"، ويونس. أغدقنا عليهم الألقاب والمسميات، ولكل منهم في ذاكرتنا مواقف لا تنسى. صار الدكان جزءا أصيلا من حياتنا اليومية.

يحضر الآن دكان عبدالرب، رحمه الله، في ذاكرتي، وتعتصرني المشاعر وأنا أقفز كطائر الفينيق بين دكان عبدالرب ورصيف دكاكين قاسم، فيما تهبط أجنحة الحنين كجبال من السحاب الثقيل على وديان وتلال، وحارات وأزقة، ومنازل كلابة. ثم تمتد تلك المشاعر لتغمر تعز كلها، المدينة التي اختزنت في أزقتها طفولتنا وملامح أحلامنا الأولى.