عادل الهرش

عادل الهرش

تابعنى على

قوات المقاومة الوطنية.. صمام أمان اليمن والمنطقة في مواجهة التحديات

منذ ساعة و 33 دقيقة

في زمنٍ تموج فيه المنطقة بالأزمات والتحولات العاصفة، وتتزايد فيه التحديات التي تهدد استقرار الدول وأمن الشعوب والممرات البحرية، تبرز قوات المقاومة الوطنية في اليمن كقوة وازنة أعادت رسم معادلة الحضور الوطني، وقدّمت نفسها بوصفها مشروعاً جمهورياً حديثاً يتجاوز حدود العمل العسكري إلى رؤية شاملة للدولة والأمن والتنمية معاً. فهي ليست مجرد تشكيل مسلح نشأ في ظل الحرب، بل منظومة وطنية متكاملة تسعى لاستعادة الدولة اليمنية ومؤسساتها، والتصدي للمشروع الإيراني وأداته الحوثية التي عبثت بالوطن وزعزعت أمنه وأدخلته في دوامة طويلة من الفوضى والخراب.

إن فهم صعود قوات المقاومة الوطنية لا يكتمل دون التوقف أمام شخصية مؤسسها وقائدها، الفريق الركن طارق محمد عبدالله صالح، الذي لا يُنظر إليه على أنه قائد ميداني فحسب، بل رجل دولة يمتلك رؤية واضحة لمستقبل اليمن، وقدرة نادرة على الجمع بين الحسم العسكري والوعي السياسي وإدارة التوازنات الدقيقة في أكثر المراحل تعقيداً. لقد راكم خبرة طويلة في العمل العسكري والسياسي، واستطاع أن يحوّل هذه الخبرة إلى مشروع منظم ومؤسسي يقوم على الانضباط والاحتراف وبناء الإنسان قبل السلاح، الأمر الذي جعل من قوات المقاومة نموذجاً مختلفاً عن العشوائية والفوضى التي طبعت سلوك كثير من التشكيلات المسلحة في البلاد.

ولم يكن تموضع هذه القوات على امتداد الساحل الغربي والمناطق القريبة من أهم المضائق البحرية مجرد صدفة جغرافية، بل كان خياراً استراتيجياً يعكس فهماً عميقاً لطبيعة الصراع وأبعاده الإقليمية والدولية، حيث تمثل هذه المنطقة شرياناً حيوياً للتجارة العالمية وبوابة رئيسية لأمن البحر الأحمر والملاحة الدولية، ونقطة ارتكاز مهمة في مواجهة التهديدات التي تشكلها جماعة الحوثي المدعومة من إيران. وقد منح هذا الحضور قوات المقاومة الوطنية وزناً متزايداً، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستويين الإقليمي والدولي أيضاً، بوصفها طرفاً فاعلاً في حماية المصالح المشتركة وصون الأمن البحري.

ومن أبرز ما يميز هذه القوات أنها لم تُبنَ على أساس مناطقي أو قبلي أو فئوي، بل انفتحت على كل أبناء اليمن من مختلف محافظاته وانتماءاته، مما أسهم في تعزيز الهوية الجمهورية الجامعة وترسيخ مفهوم المواطنة والشراكة الوطنية. وقد شكّل هذا التنوع أحد أهم عوامل قوتها، إذ جسّد عملياً فكرة اليمن الواحد الذي يتسع للجميع، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة والمشاريع الطائفية والمناطقية التي مزقت النسيج الوطني خلال سنوات الحرب.

وفي مقابل منهج الميليشيات القائم على الفوضى وغياب النظام، حرصت قوات المقاومة الوطنية على العمل وفق بنية مؤسسية واضحة، تقوم على هياكل تنظيمية منضبطة، وأنظمة صارمة للمساءلة والانضباط، وبرامج تدريب وتأهيل مستمرة تهدف إلى رفع الكفاءة المهنية وبناء قوة عسكرية احترافية قادرة على حماية الوطن والدفاع عن سيادته. وقد أسهم هذا النهج في ترسيخ صورتها كقوة منظمة تحترم القانون وتؤمن بالدولة ومؤسساتها، وتسعى لأن تكون نواة حقيقية لجيش وطني حديث.

ولم يقتصر دور المقاومة الوطنية على الجانب العسكري والأمني، بل امتد ليشمل المشاركة الفاعلة في إعادة الحياة إلى المناطق المحررة، من خلال شق الطرق وبناء الجسور، والمساهمة في إعادة تشغيل ميناء ومطار المخا، وتقديم خدمات صحية وتعليمية، وإغاثة النازحين، ومكافحة الجريمة، وترسيخ حالة من الاستقرار النسبي في محيط يعج بالفوضى. وقد عكس هذا الدور فهماً متقدماً لوظيفة القوة العسكرية باعتبارها أداة لبناء الاستقرار وتمكين الناس من استعادة حياتهم الطبيعية، لا مجرد وسيلة للقتال والمواجهة.

إن تعدد تشكيلات قوات المقاومة الوطنية، من قوات برية وبحرية وخفر سواحل، إلى أذرع هندسية ولوجستية وقطاعات خدمية ومكتب سياسي، يكشف عن رؤية استراتيجية تتجاوز اللحظة الراهنة وتسعى لبناء مؤسسة متكاملة قادرة على حماية الدولة والمساهمة في إدارتها مستقبلاً. وهو ما يعكس مشروعاً طويل الأمد لبناء دولة قوية تستند إلى مؤسسات لا إلى أفراد، وإلى نظام لا إلى الفوضى.

أما المكانة السياسية التي يحظى بها قائد هذه القوات، بوصفه نائباً لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، فقد أسهمت في تعزيز ثقل المقاومة الوطنية ودورها في المشهد العام، ومنحها قدرة أكبر على التأثير في القرار السياسي، وتمثيل اليمن خارجياً، وبناء علاقات وتحالفات تخدم مشروع الدولة والاستقرار. كما انعكست خبرته السياسية والدبلوماسية في قراءة دقيقة للمشهد الدولي وتوجيه العمل السياسي والإعلامي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.

اليوم، ينظر كثير من اليمنيين إلى قوات المقاومة الوطنية بوصفها أحد أهم الرهانات الجادة لاستعادة الدولة وبناء مستقبل مختلف عن سنوات الخراب والانقسام، فيما تنظر إليها أطراف إقليمية ودولية كقوة موثوقة تسهم في حماية واحد من أهم شرايين العالم التجارية وأكثرها حساسية.

ختاماً:

إن قوات المقاومة الوطنية لم تعد مجرد قوة عسكرية في ساحة صراع، بل تحولت إلى مشروع وطني متكامل لبناء الدولة اليمنية الحديثة؛ مشروع يستند إلى رؤية واضحة، وقيادة استراتيجية، ومؤسسية منضبطة، وانتماء وطني جامع، ودور أمني وتنموي وسياسي متنامٍ. وفي زمن كثرت فيه الظلمات، تظل هذه القوات بالنسبة لكثيرين منارة أمل، وخط دفاع متقدم، وأحد أبرز معالم المشروع الجمهوري الذي يسعى لإعادة اليمن إلى موقعه الطبيعي بين أمم المنطقة والعالم.