سالتها ..أحقاً سترحلين، أتعنين الأمر، تعتزمين ترك كل شىء والرحيل؟ قالت، نعم سأرحل، لم أعد أطيق العيشة، سأرحل بأبنائي لأي مكان أكثر أماناً وإنسانية .. لأجلهم سأرحل لأجل مستقبلهم!!!
ورحلت صديقتي مع عائلتها منذ بضعة أسابيع بعد أن باعت ما تيسر لها أن تبيع.. رحلت وهي التي لم تكن تطيق أن تبتعد بضعة شهور، كانت دوماً تشدو بحب هذه الأرض في كل أنفاسها وزفراتها، ذلك الولاء الذي كنت أشعر به يختلط بين لحمها والعظام.
وفي لحظات فراق أليمة وقفت أتأمل أولئك العابرين... وسألت نفسي، ماذا لو فتح المجال للهجرة واللجوء من منظمات دولية أو من أي دولة..... ترى من سيرحل؟ أيقن أن الأغلبية سيؤثرون الرحيل... قد تكون الهجرة والغربة أزلية في هذا البلد الطيب بسبب سوء إدارتها من قبل أولئك الذين أمسكوا بزمام حكمه، لكن قسوة الحرب الأخيرة وقذارة تجارها فاقمت معاناة الناس على هذه الأرض. الكثير منذ بداية هذه الحرب رحل، لم يقتصر الأمر على ميسورى الحال بل وفئات الشعب من مستويات شتي، حين كنت في القاهرة - التي أصبحت تعج بآلاف اليمنيين- سألت امرأة ستينية من تعز عن سبب نزوحها إلى مصر رغم الكلفة التي لا تتوفر لديها؟
فقالت، تصدقي أن العيشة هنا أيسر من بلدنا. نعم أيسر وأكثر أماناً... بالفعل رغم معاناة الغربة وتعسير إجراءات الإقامة في كل بلدان العالم على المواطنين اليمنيين.
ورغم كل هذا تجد اليمنيين خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة يرتصون بجوار طالبي اللجوء الأفارقة والسوريين في مفوضية الأمم المتحدة، ويطرقون أي باب قد يتيح لهم الرحيل.... والحياة والسلام..
( محمد .غ) شاب في نهاية العشرينات كحال الكثيرين، يظل على مواقع الانترنت يطرق أي فرصة قد تكون كاذبة للرحيل، شهور متواصلة بلا كلل. ولايزال يحاول.
شباب جامعي يطمح أن يكمل تعليمه ويرحل، ولايهم أن ينهي تعليمه حتى، الأهم يرحل للبعيد وربما لمجهول لايعلم عنه شيئا .
حسناً سيرحل كل من تتهيأ له الفرصة...
الشباب يطمح للرحيل....
المثقفون والأكاديميون وعقول الأمة يجدون في الرحيل.....
ميسوري الحال وأرباب الأموال كثير منهم رحل بعد أن رحلوا استثماراتهم وأموالهم لخارج البلاد، والتي هي بأمس الحاجة إليها لمساندة الاقتصاد الوطني المنهار كلياً...
الناشطون والحقوقيون من يعلمون دهاليز وخرائط المنظمات كانوا أحرص الناس على الرحيل...
النخبة السياسية مشردة في أرض الله لايلملم اخبارها وشتاتها إلا بضع أخبار عقيمة يرصدها الإعلام ...
والبعض، للأسف، رحل من وجه الأرض قهراً وكمداً، والأصعب أولئك الذين لم يتحملوا كل هذا الشقاء والعبث، فرحلت عقولهم... فتجدهم يهيمون في وجه الأرض، لتمتلئ بهم أرصفة الشوارع.
إذاً، من سيظل إن استمرت قوافل الراحلين التي تزايدت خلال هذا العام.
هل أولئك الكادحون الذين لا تتوافر لهم الفرصة إلا لملاحقة لقمة العيش وإشباع البطون الخاوية التي يعيلونها.... أم أولئك المستفيدون من الوضع تجار الحرب، والذين لن تزيد إسهاماتهم إلا فساداً وبناءً هشاً عقيماً، خاصة في ظل سياسة تكميم الأفواه وحصار حرية العقول، نعم هناك مخلصون ومصلحون لكن هل ستتاح لهم الفرصة للبناء ولتعمير هذه الأرض وإعادة عجلتها لمسيرة الزمن الفعلية بعد أن تعطلت لقرون وقرون...
‌ ويتكرر السؤال، إذاً... من سيبقي ليبني وطناً ويقيم أمة، إن رحلت العقول والإبداع والأموال والشباب، إن أفرغ الوطن من أبنائه...
‌فوطننا الجميل- إن لم يع الجميع الخطر ولم يبادروا بسياسات إصلاحية استدراكية - مهدد بالغخلاء..... الإخلاء.....
* من صفحتها على الفيسبوك