إعلام الشرعية والانتقالي، على حد سواء، مازال يتعاطى مع العمل السياسي باعتباره "معركة صفرية" لا باعتباره فن الممكن.
نقول هذا الكلام عقب ما ساد الرأي العام الجنوبي من خطابين متهافتين: الأول، يتباكى على دماء الشهداء، وكأنها أهدرت بعودة بن دغر. والثاني، يتباهى بعودة الحكومة، وكأنها تعبير عن القوة، في حين أنها غادرت وعادت لأنها تعاني من الضعف.
بدون مبالغة، فإن عودة حكومة بن دغر يجب أن تقرأ في سياقها الموضوعي، ويجب على جميع القوى أن تتعامل معها بعقلانية بعيدًا عن ذهنية الإقصاء أو التعطيل..
عودة لا تمثل هزيمة للانتقالي باعتباره "قوة" أمر واقع، بقدر ما هي انتصار مقبول له كمعارضة سياسية تمكنت من دفع الحكومة إلى العودة بشرط تحسين أدائها ورفع وتيرة عملها لما يصب ذلك في خدمة المواطن، وذلك بغية إنهاء حالة الفراغ الحكومي الذي سيسهم أكثر في توفير المشتقات النفطية وتفادي الانقطاعات المتكررة للطاقة الكهربائية، وأيضاً دفع رواتب الموظفين، الحكوميين والعسكريين، بشكل منتظم على أقل تقدير.
وزيارة بن دغر، الجمعة، إلى محطة الحسوة الكهربائية، تثبت أن وجود الحكومة بات مقرونا بنجاحها في توفير الخدمات الأساسية للمجتمع في عدن وباقي المحافظات الجنوبية المحررة.. وهي، ووفق ذلك، تسعى إلى كسب الرهان بأنها قادرة على حلحلة الكثير من المشاكل الخدمية، وتطمح من خلال ذلك إلى كسب ثقة المجتمع أولا، من ثم كسب رضا التحالف وبالذات السعودية باعتبارها قادرة على إثبات وجودها والعمل بكل جدية لكسب عمر أطول يبقيها قيد الرضا السعودي والإماراتي.
من يتعاطى مع عودة الحكومة كهزيمة للمجلس إنما يتعامل بقاعدة "العاشق الكذاب الذي يفرح بالتهم"، وعودة الحكومة اليوم إلى عدن ينفي عمليا ما يشاع عن وقوف أبوظبي ضد عودتها للعمل كما كانت تروج المطابخ المقربة من الشرعية، ووصول بن دغر وحكومته اليوم إلى عدن أثبت حرص أبوظبي والمجلس على استقرار الأوضاع في العاصمة عدن بما يدفع نحو استقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية على حد سوا.
بالتالي، فإن عودة الحكومة اليمنية بشرطية تحسين ادائها، ستحسب كأولى النقاط الإيجابية التي حققها المجلس الانتقالي باعتباره ممثلا عن الشعب ويهتم لمصالحه واحتياجاته الأساسية، وفي ذات الوقت بدد ما كانت تروجه وسائل الإعلام الموالية للشرعية بأن المجلس يفكر بنفسه فقط ويسعى للسلطة على حساب مصالح الشعب واحتياجاته الضرورية، على الأقل في الوقت والظروف الراهنة.