فارس جميل

فارس جميل

الحوثيون وتجريف الهوية اليمنية

Tuesday 28 August 2018 الساعة 08:51 am

كان صديقي يحمل لقب أسرته المعروفة في حجة حتى 2014، عندما أصبح يحمل لقب (شرف الدين)، وبعد أن كان يمشي راجلاً بين بيته ومقر عمله، أصبح يملك سيارة حديثة خلال عام واحد من دخول الحوثيين صنعاء، وبعد أن راكم رصيداً مالياً معتبراً، تحول إلى (شهيد) كصورة جدارية لأطفاله الأيتام.

تذكرته مع مشاهد حية كثيرة مرت أمامي، وأنا أعيد مشاهدة تسجيل فيديو لعلي عبدالله صالح مع مجموعة من العلماء والشخصيات الاجتماعية يعود إلى 2004، ولأول مرة تمعنت في وجوه الحاضرين وتعبيراتها مع حديث صالح وهو يسرد عليهم حججه على تمرد حسين الحوثي، وجهوده معه لمحاولة إعادته إلى الصواب، ولم يستجب، مع تأكيده على عدم استهداف الزيديين والهاشميين، كما روج حسين، وأنه بتصرفاته سوف يجعل اليمنيين ينظرون للهاشميين نظرة خاصة تعيد اليمنيين إلى عهد التمييز الطائفي الذي تجاوزته الأجيال اليمنية.

حمود عباد كان حاضراً، ومن المعلوم أنه أحد الذين وجهوا انتقادات كبيرة للحوثيين وفكرهم، خاصة عندما كان وزيراً للأوقاف، وحمود اليوم يتحدث عن عبدالملك الحوثي كشخص مقدس وعلم من أعلام الزمان، قدم ابنه الذي قتل في إحدى جبهات البيضاء في سبيله وسبيل مصالحه الشخصية، بالطبع، التي جعلته قادراً على إرسال بنته للدراسة في واحدة من أغلى الجامعات في العالم.

كيف تحولت المواقف بهذه الحدة، كيف نجح الحوثيون في هزيمة كل هذه الشخصيات، وتحويلها إلى أدوات بأيدي الجماعة؟!!

أصبحت لوحات الولاية تملأ شوارع المدن التي يسيطر عليها الحوثيون كجزء من تكريس فكر جديد وثقافة جديدة.
أصبح شعار الحوثيين مرفوعاً على كل عمود كهرباء إلى جانب صور لمئات الوجوه التي لم تعد قادرة على مغادرة إطار صورها، ولا العودة إلى أسرها، كقتلى سقطوا في سبيل فكر كرسته الجماعة وجرفت عقول الشباب به ليقتلوا إخوانهم اليمنيين بدم بارد باعتباره واجباً مقدساً وطريقاً إلى الجنة، وصار الشعار بديلاً لعلم الجمهورية اليمنية في كل أنشطة الجماعة، خاصة تلك الأنشطة التي تسميها دورات ثقافية.

أصبحت الصرخة تردد بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت في المساجد كل يوم، وحلت محل النشيد الوطني اليمني، لدى الآلاف من أطفالنا وشبابنا، وصارت مناسبة سنوية للاحتفال تحييها الجماعة رغماً عن كل معارض لها وهم أغلب الشعب اليمني.

أصبحت الاحتفالات بمناسبات طائفية لا تمت لثقافة اليمنيين بصلة كيوم الغدير/الولاية، ويوم الشهيد، وذكرى كربلاء، وذكرى استشهاد فلان وعلان، هي كل ما يحتفل به الحوثيون، وتم تغييب المناسبات الوطنية اليمنية وتحديداً ثورة 26 سبتمبر 1962، بل وتم نشر كتب وما يسمونها دراسات هشة وإنشائية لا علاقة لها بالبحث العلمي ولا بالوطنية اليمنية، تستهدف مباشرة تحقير ثورة سبتمبر، وتتحدث عنها كانقلاب دموي استهدف الهاشميين كفئة، رغم أن كثيراً من أبطال سبتمبر كانوا من الهاشميين.

تم تغيير المنهج المدرسي جزئياً، وتم مؤخراً توزيع منهج جديد على مشرفي المديريات لتعميمه مرحلياً عبرهم قبل تحويله إلى منهج رسمي، وهو ما حدث مع توزيع ملازم حسين الحوثي على المراكز الصيفية للأطفال والشباب، وتم فرض منهج جديد بديل للثقافة الإسلامية في الجامعات.

وزارة الأوقاف التي تم حرق مقرها ومصادرة كثير من أملاكها، تشرف على تنفيذ دورات ثقافية طائفية، وبعد حرق مقرها في صنعاء بما يحتويه من وثائق للتغطية على نهبهم لأراضي الأوقاف التي تمثل أغلب أراضي صنعاء، أعلنوا عن تنفيذ الوزارة لـ15 نشاطاً تثقيفياً في الساحل الغربي.

تجريم كل مخالف من اليمنيين يمضي بخطوات مدروسة وتتسع دائرته كل يوم، ولا أحد يتحدث، ولا أحد يعترض، ولا أحد يملك فعل شيء في مناطق سيطرتهم، بينما الشرعية بكل ما تملكه من إمكانيات لم تقم بتوجيه مجرد إذاعة إف إم في مناطق الحوثيين، الذين يضخون في عقول المستمعين أفكارهم الخبيثة كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، عبر قرابة 30 إذاعة محلية.

كلما طالت الحرب واستمر عجز وسلبية الشرعية نجح الحوثيون في توسيع دائرة أفكارهم، وكلما استقطبوا من استطاع التماسك أمامهم حتى اليوم كلما أصبحت الدولة الوطنية اليمنية مجرد ذكرى.