عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

من موفمبيك إلى جنيف.. الخيبة واحدة

Sunday 09 September 2018 الساعة 08:38 am

في مرحلة كانت بالغة التعقيد بتأزمات الصراع السياسي بين نظام صالح والمعارضة والتي كانت بيسارها ويمينها قد أصبح لها شيخا قبليا تحتمي به.. وصل الأمر حد القطيعة والاختلاف على كل شيء، حتى غدت مسألة إعادة العلاقة الشكلية بينهما قضية لا تقل أهمية وتعقيداً.

ومن هنا ولدت العديد من الهواجس وما يمكن تسميتها مبادرات لإعادة العلاقة الشكلية والحوار السطحي بين النظام والمعارضة، وكلما ولدت مبادرة وطنية وجاء موقف دولي جديد للاهتمام بالقضايا اليمنية الداخلية اشتعل الصراع أكثر بينهم وتوسعت الفجوة، وتعمقت حالة القطيعة، وبالتالي تزداد تناقضات وتغيرات المواقف السياسية، ويتجه الأمر نحو أكثر ضبابية، وتضاف تعقيدات وتأزمات جديدة للقضايا الوطنية والمتأزمة أصلا، والتي لم يكن يهم المعارضة إلا استثمار هذه التعقيدات والتأزمات، وتجمع وتوحد موقف كل المناوئين للسلطة بحق وباطل، وبحالة من الغرور والسذاجة يسمون أنفسهم المناضلين الوطنيين.. كما لم يكن يهم النظام إلا استمرار سيطرته مهما كانت الطرق صحيحة أو خاطئة..

بداية 2011 اتخذ الصراع السياسي منعطفا جديدا تطور الصراع السياسي والاجتماعي الى صراع عسكري، من هنا حاول الملك عبد الله آل سعود، رحمه الله، ومعه كذلك مجلس التعاون الخليجي، التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجنيب اليمن الانزلاق نحو حرب أهلية، فقدموا مبادرتهم لحل قضية الصراع على السلطة، لربما بأصل المبادرة أو بما تم من التطويرات لها، حوت مسألة الحوار السياسي وذلك لأن الحوار السياسي كان أحد القضايا الرئيسية الملتهبة، فقد ظل الحوار متعثرا لسنوات.

منطقيا لا تعرف أهمية ولا معنى لأي حوار سياسي، في ظل وضع سياسي قد تغير واختلف تماما عن الأيام السابقة التي كان الحوار فيها لربما القضية الرئيسة الأولى.

في ظل الخطوات الأولى للمبادرة، بنقل السلطة سلميا من صالح إلى هادي، ورئاسة الحكومة للمعارضة، والمناصفة بالحقائب الوزارية، يكون هنا قد تغير الوضع السياسي جذريا فقد أصبحت المعارضة التي سخر منها صالح وتعنت على التحاور معها، ترأس الحكومة قيل أن يكون هادي مؤخرا بصفها ومع فلسفتها، وتواجه التعقيدات والتأزمات الحقيقية بالقضايا الوطنية السياسية والأمنية والاجتماعية، التي كانت تحمل كل مشاكلها وتعثراتها وتأزماتها سياسة صالح وحكومته فقط وأصبح صالح سياسيا بعيدا عن السلطة.

كان من الطبيعي والمنطقي بأن الوضع يحتاج إلى إقرار سياسة واضحة عملية ومتدرجة لوضع الحلول الجذرية والمعالجات الحكيمة لأهم القضايا المتأزمة لاسيما قضية الحراك والحوثيين، وأن تكون هنالك التزامات لكل الأطراف السياسية بعدم الإخلال بمبادئ المبادرة والانقلاب عليها بطرق أخرى وعرقلة خطة وسياسة حكومة الوفاق في حل القضايا الرئيسية وانتزاع مخاطرها.

كما كان ينبغي بأن تكون هذه الحكومة هي الأقوى وهي الأكفأ من بين كل الحكومات التي عرفها الشعب وكذلك شخصية رئيسها لأن المناط بها عمل كبير وجبار للانتقال من مرحلة إلى مرحلة بمغادرة مرحلة التأزمات الى مرحلة الحلول والانفراجات ومغادرة الصراع إلى الوفاق كجانب حقيقي وجوهري وليس مسمى لواقع مختلف.

وبدل كل هذا، فقد كانت حكومة هزيلة ورئيسها هو الأضعف من بين كل رؤساء الحكومات التي عرفها الشعب، وبالتالي تم صنع وهم الحوار الوطني وتم المبالغة والمزايدة بهذا الحوار، تهرب الجميع من واجباتهم ومسؤولياتهم، وغطى الجميع ضعفهم بوهم هذا الحوار ومخرجاته.

بني الحوار على أساس التقاسم والعائد المادي من أول لجانه التي شكلت، وكبر وهم الحوار ولجانه ومؤتمره على أساس التقاسم والنفاق السياسي وأديرت أول جلسة لهذا المؤتمر بطريقة عشوائية وغبية كل ممثل طرف كان يتكلم كأنه يخطب جمعة أو يحكي قصة حياته.

تم التدخل للسيطرة على الفوصى والتخبط وعدم وجود رؤية لهذا الحوار العبثي، وتم وضع رؤية لإدارة وتنظيم هذا الحوار من قبل خبراء لايعرفون اختلاف الوضع اليمني الذي يحتاج لاتفاقات عاجلة وعملية لساسته وقادته للسيطرة على الوضع وإنقاذ البلد من الانهيار والغرق المحيط به، وبأن الوقت لم يعد يحتمل أيا من الرومانسيات السياسية وآليات الحوار التنظيرية التي تتعمق بتفاصيل وطرق ساذجة تحاكي واقعا مختلفا وتجعل مشاكلها بالصياغات الأدبية والتوافق والاختلاف بين أعضاء الفريق والجلسات العامة، بتجاهل كامل لاعتمالات الواقع وتطوراته واحتياجاته الرئيسة كمبادئ عملية لاصياغات أدبية.

قالوا نجح مؤتمر الحوار.. وتجاوز كل العقبات والجميع قدم تنازلات وتضحيات حتى نجحت الاجتماعات والجلسات والنجاح الخالد والأكبر هو طباعة كتاب المخرجات، لكن الوطن سقط نتيجة كل هذا الغباء والسذاجة، ومازال كل طرف يحمل الآخر المسؤولية، ويقول إنه الأصدق في السعي لتنفيذ مخرجات هذا الحوار.

أي بؤس وخيبة تضاف لهذا الشعب من محادثات جنيف التي تبخرت كما تبخر مؤتمر نوفمبيك، بفارق بسيط وأساليب مختلفة قليلا، بفارق التوقيت، ولكن بنفس الفكرة والمضمون والنتيجة؟!

أي عبث سنظل نعيشه باسم الحوار والسلام والمحادثات؟!
تمت المحادثات أو لم تتم، تم إعلان نجاحها أو فشلها، الأمر لن يختلف كثيراً.