السعودية لم تعد تصارع إيران فحسب. فإلى جانب إيران، انضمت تركيا أردوغان ومعها جماعة الإخوان بفروعها المختلفة في المنطقة، وهناك قطر التي استضافت في أراضيها قوات تركية رداً على الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات.
الآن الصراع الثلاثي السعودي الإيراني التركي يجري داخل المجال الخليجي الحساس جداً بالنسبة لأمن السعودية. إيران تدعم إسقاط النظام البحريني حليف السعودية، وتدعم التمرد الشيعي في المنطقة الشرقية السعودية.. وبالتزامن مع ذلك تحاول السعودية إسقاط النظام القطري المتحالف مع تركيا والمتصالح مع إيران.
لكن تركيا أردوغان تستدعي إلى الذاكرة ما كانت تمثله الدولة العثمانية من خطر حقيقي على الدولة السعودية التي نشأت في مراحلها الثلاث عبر التناقض مع أسلاف أردوغان.
بخطى ثابتة وعلنية، يمضي أردوغان في مسارات تصاعدية متعارضة مع ميراث وهوية الدولة التركية العلمانية الكمالية، يفعل ذلك عبر توليفة من الحيل والخطوات دون أن يخشى فقدان الدعم اللامحدود والإعجاب والافتتان من قبل الإسلاميين في المنطقة العربية الذين لا يساورهم الشك بأن ثمة حكمة ودهاءً وخيراً في كل ما يفعله اردوغان، ولا يساورهم شك بأنه يفعل كل شيء ليدرأ خطراً ويجهض مؤامرة تستهدف مشروعه الإسلامي.
الغريب أن شعبية اردوغان في أوساط الإسلاميين ليست مكافأة له مقابل شيء محدد، أي أنها ليست مشروطة بالتزام تركي علني تجاه قضايا "مركزية" عند الإسلاميين، مثل القضية الفلسطينية أو تمكين الشريعة الإسلامية...الخ الخ!
أردوغان لم يلتزم بشيء من هذا القبيل في برنامجه السياسي، واكتفى قبل سنوات بخطوات ومبادرات رمزية دعائية في هذا الإطار، وقوبلت بالتهليل والتعظيم على أوسع ما يمكن: "إرسال سفينة لفك حصار غزة مثلا أو انسحابه من مؤتمر دافوس بعد ملاسنة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز".
لماذا يحظى اردوغان بهذا الهامش الواسع في أفئدة الإخوان، وهذا القدر من التفهّم، وهذا الإجلال لكل ما يصدر عنه، في حين أن السعودية محرومة من هذا الامتياز، وهذا التفهم، رغم كل ما تنفقه وكل ما تتخذه من مواقف متطرفة تجاه إيران وتجاه الأسد، ورغم التزامها الرسمي بتطبيق "الشريعة" وبعدم الاعتراف بإسرائيل والتزامها الضمني بالدفاع عن "السنة" ضد "الروافض"!
في السنوات الأخيرة، يمكن ملاحظة كيف أن الإسلاميين (الإخوان تحديداً) في أعماقهم لا يثقون بالنظام السعودي، بل إنهم يتشددون سراً في الحكم السلبي على سياساته، وفي تخوينه والتشكيك في مغزى كل ما يقدم عليه، ويتصيدون زلاته وتناقضاته، وعند أكثر من منعطف يبرزونها ويستخدمونها في الدعاية ضده.
خذوا إسلاميي اليمن كمثال.. رغم اضطرارهم للتعاون مع السعودية والاعتماد عليها إلا أن هواهم لا يزال تركيّاً.. وأردوغان لا يزال بطلهم الذي يحفّونه بالإعجاب والإجلال.
وإذا كانت سعودية "فيصل" قد أثّرت على إيران "الشاه" للمساهمة في مواجهة المد الناصري، إلا أن سعودية سلمان فشلت في إحداث تأثير مشابه على تركيا "أردوغان" للانخراط ضد إيران من منظور سعودي.
هذا يدلل على أن الخطر الإيراني مهما بلغ شأنه، إلا أنه لا يهدد وجود المملكة جذرياً بالمقارنة مع الخطر الذي يمكن أن تشكله تركيا ذات السوابق التاريخية مع الدولة السعودية والتي يحركها الآن حنين نابع من ميراث الامبراطوية العثماني في المنطقة.