فارس جميل

فارس جميل

الصحفيون وحسين الحوثي

Tuesday 11 September 2018 الساعة 09:00 pm

بالتزامن مع الذكرى الرابعة عشرة لمقتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004، قامت جماعة الحوثيين بإحالة عشرة صحفيين إلى النيابة الجزائية المتخصصة بصنعاء، بعد مرور ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر على اعتقالهم، منها عدة أشهر تم فيها إخفاؤهم قسرياً وعدم إبلاغ أسرهم بمكان اعتقالهم.

صور حسين الحوثي، اليوم، تملأ شوارع صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين كبطل وقائد للجماعة، فقد حولته أدبيات وإعلام الجماعة إلى رمز مقدس ليس فقط لا يجوز انتقاده ورفض أفكاره، بل إنه ولأول مرة يتم اعتقال مواطن لأنه قال عن حسين (الله يرحمه) قد هو بين يديه.

هذه العبارة التي تفسر من قبل أي إنسان عاقل بأنها إحالة لحسين إلى ربه بما اقترفه في دنياه، كواحد من خلق الله، فسرها الحوثيون بأنها انتقاص من مكانة (القائد الشهيد) فلا يجوز بعد ورود اسمه قول "الله يرحمه" بل "عليه السلام"، لأنه مرحوم مسبقاً وبشكل قطعي، فهو حفيد النبي وعلم الزمان، هكذا رد قائد طقم لمسلحين حوثيين على الرجل الذي تورط بالترحيم عليه.

سائق الباص وهو يستمع لجدل بين راكبين أحدهما حوثي حول نفس الموضوع، وبعد مغادرة الحوثي للباص، قال لمن اكتفى بالترحيم على حسين:
احمد ربك أنه طلع حوثي عاقل، وتركك وغادر دون أذية، لقد حدث معي موقف مختلف تماماً، وسرد كيف أنه تعرض لنفس الموقف، وقام الحوثي الذي ناقشه باستدعاء طقم من المسلحين وأبلغهم بأن السائق يشتم (السيد)، إلا أن قائد الطقم بعد سماعه للسائق وأنه يقصد الترحيم عليه محبة فيه كتبرير للمسلحين، اكتفى بتقديم محاضرة عن فضائل حسين وقداسته واستحقاقه الجنة كأمر مفروغ منه، وأن الرحمة لا تكون إلا على المسلم العاصي أو المقصر من الناس العاديين، أما أصحاب الكرامات والاصطفاء فيقال فقط "عليه السلام" أو "رضوان الله عليه".

قال الراكب وهو يغادر الباص ويقف لدفع الحساب للسائق: والله ما قلتها إلا خوفاً من أن يتم ما حدث لك، فقد توقعته مسبقاً، فدعائي له بالرحمة ليس حباً ولكن إحالة لرب العالمين، ومخافة العواقب من انتقاده أمام صاحبه، فالمثل يقول "ابعد من الشر وغني له"، وهذه جماعة معجونة بالشر عجين، ولولا المخافة لقلت كلاماً غير هذا، لكن إرادة الله علينا.

حسين لا يتسبب باعتقال من يشتمه ومن ينتقده ومن يترحم عليه أيضاً فقط، بل إن جماعته التي اعتقلت وعذبت وقتلت الآلاف من اليمنيين، أحالت في ذكرى مصرعه عشرة من الزملاء الصحفيين للنيابة الجزائية المتخصصة، وهي مخصصة للتعامل مع قضايا الإرهاب وليس قضايا الصحافة.

هؤلاء الزملاء تم اعتقالهم في يونيو 2015، ولا يزالون حتى اليوم رهن الاعتقال، وتعرضوا لتعذيب بشع أوقع فيهم إعاقات منها فقدان السمع، والعجز عن الوقوف، وبينما تم الإفراج عن زملاء آخرين على مدار سنوات الحوثي التي شهدت أعلى معدل انتهاك لحرية التعبير في تاريخ البشر منافسة جماعة داعش حسب التقارير العالمية، ظل هؤلاء في سجونهم عرضة لكل وأقسى أنواع المعاملة.

قبل عام ونصف حكم الحوثيون بالإعدام على يحيى عبدالرقيب الجبيحي المدرس بكلية الإعلام جامعة صنعاء، وبعد الحكم بشهور وبضغوط دولية ومحلية، ووعد عبدالملك الحوثي بالإفراج عنه وإلغاء الحكم نتيجة لتلك الضغوط، تم الإفراج عن الجبيحي وإسقاط حكم إعدامه، لكن وعوده بالإفراج عن هؤلاء الصحفيين العشرة لم يتم، لا أحيلوا لنيابة متخصصة بمحاكمة الإرهابيين.

من المفارقات أن كثيراً من الصحفيين الذين نكلت بهم جماعة الحوثيين كانوا يعارضون سياسة الدولة في حربها ضد حسين وجماعته خلال الحروب الستة، وها هي جماعته تكافئهم لموقفهم معها ضد قوة القانون وبسط سيادة الدولة، ولكن بعد أن أصبحت الدولة اليمنية ذاتها معتقلة لدى الجماعة، أو معلقة بسوء أداء الشرعية.