محمد عبده الشجاع
الموسيقى... المعاني الكاملة للحيــاة!!
الحديث عن الموسيقى والفن وأهلهما بالتأكيد ليس ذا شجون في هذه الفترة الزمنية، مثله مثل أحوال أخرى، ثمة عبث يطال كل شيء، وثمة مرحلة بائسة حتى في الفن وتحديداً "الغناء"، وجَدت أمامها نوافذ مشرعة فسارعت إلى السباحة مع الريح دون الخشية من أي سقوط.
قد لا يكون الوقت مناسباً للحديث عن الموسيقى والفن وأهله ومتذوقيه، لأن هناك ما هو أولى، لكن دعونا نعِش لحظات من الشجون، خارج أسوار المعارك الدائرة في هذا العالم البائس، وليس بعيداً عن الوجع!
يا لهذه الدنيا، تنكسر في دواخلنا لمجرد فجيعة بسيطة، ولا تلقى من يصلح ما انكسر؛ إلا ابتسامة تقفز فجأة في زحمة الهموم، ثم يعود الحال إلى ما كان عليه، فيأتي النوم كمرحلة للاسترخاء، ولا يكون إلا الأرق المتقارب المتباعد، ودقات القلب المتسارعة.
هكذا هي لحظات العمر مترابطة كالضياء متقطعة كالمطر، ووحده الموت المتحول الثابت، والمرابط على هذه الارض يا "بهية".
الموسيقى وجه لا تمله العيون، وجسد تفر إليه الحقيقة في رعشات البرد، مع كل صباح تهبط إلى الأرض حاملة معها "فيروز" و"نجاة" و"حليم" و"عبد الوهاب" و"شادية" و"أبو بكر" و"أيوب طارش" و"ناظم الغزالي" و"وردة" و"السمه والآنسي والمرشدي والحارثي والقمندان".
"ويا ليال يا ليال قالوا أن الحب حالي".
تهبط الموسيقى إلى الأرض، كي تحصي خطايا وذنوب المتآمرين عليها، وتدعو لهم بالعافية الدائمة، والصحوة من سبات التوالد العقيم، تهبط لتمسح على رؤوس أصابع العازفين، وتمسح عن الأوتار ما علق من غبار، وتجري مجرى الدم في وداعة المسنين، وألفة العائدين من الضجر، وتزوّد محطات النهار بأضواء إضافية ومقامات جديدة.
إحياء فن الموسيقى، يعني رد الاعتبار لهذه الحياة التي عذبتها الفوضى بالتدمير المختلف، وأصوات القذائف من صواريخ وحِمم بدأت تصوغها أصابع الجحيم، وتشكلها بعيداً عن الروح، وجمالها الفطري والمكتسب.
إحياء الموسيقى يعني نفض الغبار عن آلآت تتكسر، وحناجر تشيخ، وطرقات تمتد بلا هدى، وزوايا معتمة.
إحياء الموسيقى يعني، تكريس الحب وإزاحة النظريات "الطالبانية" جانباً، ومشيخات الزيف من رواد "الحلال والحرام"، ومن ثم دفنها في قبور بين السدَّيْن مع يأجوج ومأجوج، والذوبان الكامل في بلاط جلالتها.
إحياء الموسيقى، هو إحياء للروح المتألقة المتأملة، والروحانية الحانية، وتهذيب الأذواق، وعشق الوجود، وتيمم الطمأنينة بكل تضاريسها.
إذن، بالموسيقى تتوحد الشجون، ويعم الفرح أرجاء المراثي، وتزهر الحقيقة ناعمة بلا غبار.
تلعب الموسيقى دوراً مهماً في تشكيل ثقافة الفرد، ورسم ملامحه الباطنة والظاهرة، وإضفاء الهدوء على النفس، والقبول بالأشياء دون ارتباك، وكذلك قبول الآخر دون خوف أو عنف.
لذا سوف نجد أن كل ما يحمل موسيقى جميلة، وغناء أجمل، يكون أكثر تأثيراً وفاعلية، ويلعب التذوق دوراً مهماً، وكذلك صفاء الروح، واستعدادها لتقبل حياة الموسيقى عموماً، ودون أية نوازع سيئة.
إن من ضمن ما أورده عالم الاجتماع الفيلسوف "عبد الرحمن ابن خلدون"، في قراءاته للواقع عموماً والموسيقى والفنون خاصة، حيث ذكر أن أي "انحطاط" في هذه المجالات يعود بدرجة رئيسية إلى تدني الذائقة، وهي نقطة مهمة تقودنا إلى أن الفنون هي الفنون، إنما تدني مستوى الذوق هو ما يؤدي إلى الانحطاط، وهنا يشير إلى الإنسان عموماً وربما إلى أنظمة الحكم، والقوانين التي تساعد سلباً أو إيجاباً، في تشكيل المتلقي والمؤدي لفن ما معاً.
إذاً مسألة الاهتمام بالموسيقى والغناء كفن وعلم له تاريخ عريض، أصبح ضربا من الخيال في وطننا الحبيب، وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية والمعقدة، التي أصبح البحث فيها عن "الإنسان" كقيمة من الكماليات.
لقد أصاب الحياة الطبيعية ما أصاب الموسيقى، انصب كل الاهتمام على الحرب، والصراعات المتداخلة التي تبدو بلا طرف ولا نهاية.
في كتاب "مدارات في الثقافة والأدب"، للدكتور عبد العزيز المقالح، يتساءل في إحدى موضوعاته بقوله: "هل انحدرت الفنون الموسيقية أم أن أذواقنا شاخت"؟ وهو هنا يتحدث عن تراجع هذا الفن، ويسير على خطى ابن خلدون في القراءة والتساؤل، حول موضوع عالمي، وقد حاول في كتابه هذا، المقارنة بين زمن ولى وآخر نعيشه، وفي سياق سرده وذكره لقامات فنية، ودور الموسيقى ومكانتها، يجد القارئ أن الخارطة بائسة في بلدنا الطيب أهله.
وهنا يطرأ سؤال ماذا لو أن الذين تحدثوا عن تراجع الفن (الغناء) في ثمانينات القرن المنصرم ومطلع التسعينيات، ماذا سيقولون اليوم وهم يسمعون كل هذا الضجيج المقرف؟
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي التي تقبع بعيداً عن الرقابة، دوراً سيئاً للغاية في نشر الغث والسمين، كما أن هناك انعكاسات بسبب بؤس المرحلة، ساعدت الذائقة على تقبل أو الأصح القبول بما يسمى فن وتحديداً في مجال "الغناء" وهو ما ندور حوله هنا، وألقت الحالة النفسية المهترئة بظلالها على المشهد، فكانت النتيجة أن ارتفعت أصوات لا يمكن أن تصل إلى الدرجة الأولى من سلم الغناء، بل شكلت حالة تندر من جهة، وحالة تجاوب من جهة أخرى، ما يؤكد على أن "الفن" ليس بخير ولا "ذائقة" السمع والتلقي كذلك.
إذاً، أي من التساؤلات السابقة، وحتى موضوع الموسيقى بشكل عام، لا يعنينا في هذا البلد.. الطيب بلا موسيقى، والسؤال المطروح، كيف سيكون هذا البلد في حال اهتم بالموسيقى والفن بدل الحرب والاقتتال؟
ربما بلغ من الطيبة والحب والانسجام مبلغاً فريداً في هذا العالم.
الحديث عن الموسيقى والفن وأهلهما بالتأكيد ليس ذا شجون في هذه الفترة الزمنية، مثله مثل أحوال أخرى، ثمة عبث يطال كل شيء، وثمة مرحلة بائسة حتى في الفن وتحديداً "الغناء"، وجَدت أمامها نوافذ مشرعة فسارعت إلى السباحة مع الريح دون الخشية من أي سقوط.
قد لا يكون الوقت مناسباً للحديث عن الموسيقى والفن وأهله ومتذوقيه، لأن هناك ما هو أولى، لكن دعونا نعِش لحظات من الشجون، خارج أسوار المعارك الدائرة في هذا العالم البائس، وليس بعيداً عن الوجع!
يا لهذه الدنيا، تنكسر في دواخلنا لمجرد فجيعة بسيطة، ولا تلقى من يصلح ما انكسر؛ إلا ابتسامة تقفز فجأة في زحمة الهموم، ثم يعود الحال إلى ما كان عليه، فيأتي النوم كمرحلة للاسترخاء، ولا يكون إلا الأرق المتقارب المتباعد، ودقات القلب المتسارعة.
هكذا هي لحظات العمر مترابطة كالضياء متقطعة كالمطر، ووحده الموت المتحول الثابت، والمرابط على هذه الارض يا "بهية".
الموسيقى وجه لا تمله العيون، وجسد تفر إليه الحقيقة في رعشات البرد، مع كل صباح تهبط إلى الأرض حاملة معها "فيروز" و"نجاة" و"حليم" و"عبد الوهاب" و"شادية" و"أبو بكر" و"أيوب طارش" و"ناظم الغزالي" و"وردة" و"السمه والآنسي والمرشدي والحارثي والقمندان".
"ويا ليال يا ليال قالوا أن الحب حالي".
تهبط الموسيقى إلى الأرض، كي تحصي خطايا وذنوب المتآمرين عليها، وتدعو لهم بالعافية الدائمة، والصحوة من سبات التوالد العقيم، تهبط لتمسح على رؤوس أصابع العازفين، وتمسح عن الأوتار ما علق من غبار، وتجري مجرى الدم في وداعة المسنين، وألفة العائدين من الضجر، وتزوّد محطات النهار بأضواء إضافية ومقامات جديدة.
إحياء فن الموسيقى، يعني رد الاعتبار لهذه الحياة التي عذبتها الفوضى بالتدمير المختلف، وأصوات القذائف من صواريخ وحِمم بدأت تصوغها أصابع الجحيم، وتشكلها بعيداً عن الروح، وجمالها الفطري والمكتسب.
إحياء الموسيقى يعني نفض الغبار عن آلآت تتكسر، وحناجر تشيخ، وطرقات تمتد بلا هدى، وزوايا معتمة.
إحياء الموسيقى يعني، تكريس الحب وإزاحة النظريات "الطالبانية" جانباً، ومشيخات الزيف من رواد "الحلال والحرام"، ومن ثم دفنها في قبور بين السدَّيْن مع يأجوج ومأجوج، والذوبان الكامل في بلاط جلالتها.
إحياء الموسيقى، هو إحياء للروح المتألقة المتأملة، والروحانية الحانية، وتهذيب الأذواق، وعشق الوجود، وتيمم الطمأنينة بكل تضاريسها.
إذن، بالموسيقى تتوحد الشجون، ويعم الفرح أرجاء المراثي، وتزهر الحقيقة ناعمة بلا غبار.
تلعب الموسيقى دوراً مهماً في تشكيل ثقافة الفرد، ورسم ملامحه الباطنة والظاهرة، وإضفاء الهدوء على النفس، والقبول بالأشياء دون ارتباك، وكذلك قبول الآخر دون خوف أو عنف.
لذا سوف نجد أن كل ما يحمل موسيقى جميلة، وغناء أجمل، يكون أكثر تأثيراً وفاعلية، ويلعب التذوق دوراً مهماً، وكذلك صفاء الروح، واستعدادها لتقبل حياة الموسيقى عموماً، ودون أية نوازع سيئة.
إن من ضمن ما أورده عالم الاجتماع الفيلسوف "عبد الرحمن ابن خلدون"، في قراءاته للواقع عموماً والموسيقى والفنون خاصة، حيث ذكر أن أي "انحطاط" في هذه المجالات يعود بدرجة رئيسية إلى تدني الذائقة، وهي نقطة مهمة تقودنا إلى أن الفنون هي الفنون، إنما تدني مستوى الذوق هو ما يؤدي إلى الانحطاط، وهنا يشير إلى الإنسان عموماً وربما إلى أنظمة الحكم، والقوانين التي تساعد سلباً أو إيجاباً، في تشكيل المتلقي والمؤدي لفن ما معاً.
إذاً مسألة الاهتمام بالموسيقى والغناء كفن وعلم له تاريخ عريض، أصبح ضربا من الخيال في وطننا الحبيب، وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية والمعقدة، التي أصبح البحث فيها عن "الإنسان" كقيمة من الكماليات.
لقد أصاب الحياة الطبيعية ما أصاب الموسيقى، انصب كل الاهتمام على الحرب، والصراعات المتداخلة التي تبدو بلا طرف ولا نهاية.
في كتاب "مدارات في الثقافة والأدب"، للدكتور عبد العزيز المقالح، يتساءل في إحدى موضوعاته بقوله: "هل انحدرت الفنون الموسيقية أم أن أذواقنا شاخت"؟ وهو هنا يتحدث عن تراجع هذا الفن، ويسير على خطى ابن خلدون في القراءة والتساؤل، حول موضوع عالمي، وقد حاول في كتابه هذا، المقارنة بين زمن ولى وآخر نعيشه، وفي سياق سرده وذكره لقامات فنية، ودور الموسيقى ومكانتها، يجد القارئ أن الخارطة بائسة في بلدنا الطيب أهله.
وهنا يطرأ سؤال ماذا لو أن الذين تحدثوا عن تراجع الفن (الغناء) في ثمانينات القرن المنصرم ومطلع التسعينيات، ماذا سيقولون اليوم وهم يسمعون كل هذا الضجيج المقرف؟
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي التي تقبع بعيداً عن الرقابة، دوراً سيئاً للغاية في نشر الغث والسمين، كما أن هناك انعكاسات بسبب بؤس المرحلة، ساعدت الذائقة على تقبل أو الأصح القبول بما يسمى فن وتحديداً في مجال "الغناء" وهو ما ندور حوله هنا، وألقت الحالة النفسية المهترئة بظلالها على المشهد، فكانت النتيجة أن ارتفعت أصوات لا يمكن أن تصل إلى الدرجة الأولى من سلم الغناء، بل شكلت حالة تندر من جهة، وحالة تجاوب من جهة أخرى، ما يؤكد على أن "الفن" ليس بخير ولا "ذائقة" السمع والتلقي كذلك.
إذاً، أي من التساؤلات السابقة، وحتى موضوع الموسيقى بشكل عام، لا يعنينا في هذا البلد.. الطيب بلا موسيقى، والسؤال المطروح، كيف سيكون هذا البلد في حال اهتم بالموسيقى والفن بدل الحرب والاقتتال؟
ربما بلغ من الطيبة والحب والانسجام مبلغاً فريداً في هذا العالم.