ليس وجود التدخل العسكري بقيادة السعودية هو الذي يحول دون النظر إلى ما تمثله الظاهرة الحوثية من خطر بالنسبة إلى النظام الجمهوري، بل إن غياب هذه النظرة كان أقدم من هذا التدخل بكثير.
فلو أخذنا نستعرض مجمل التعريفات والتفسيرات والأحكام التي تناولت حروب صعدة وما تفرع عنها من حلقات صراع كانت حركة الحوثيين طرفا فيه، فإننا لا نكاد نعثر إلا على قلة قليلة منها نظرت إلى المسألة على أنها حركة إحياء "إمامية" تنطوي على سمات تضعها في مسار يتصادم جذريا مع فكرة الجمهورية بمفهومها الذي قامت عليه في شطري اليمن من خلال ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
منذ أول شرارة لحروب صعدة إلى أن سقطت صنعاء بيد الحوثيين وما تلا ذلك من أحداث، تم طرح عشرات التعريفات والتأطيرات النظرية لمشكلة اتفقت الطبقة السياسية ووسائل الاعلام على تسميتها "قضية صعدة" إلا أن معظم التعريفات والمعاينات تقريبا كانت تخلو من الاشارة إلى علاقة ما كان يحدث في صعدة بقضية "الجمهورية".
وباستثناء الخطاب الرسمي المصاحب للحملات العسكرية التي نفذتها القوات الحكومية في صعدة من 2004 إلى 2009 فإن أغلب التعليقات والتناولات ذات الخلفيات السياسية والايديولوجية المتنوعة لم تكن تأخذ كلام الاعلام الرسمي عن المضمون الإمامي في التمرد الحوثي على محمل الجد.
كانت التحليلات تعطي للصراع معاني شتى، وغالبا، كانت هذه التحليلات تبطن في ثناياها الادانة للطريقة التي تعاملت بها الدولة مع القضية التي عبر عن نفسها عسكريا ابتداء من 2004. في مقابل ذلك، كانت الصحافة تحفل بإشارات التفهم ونوع من التعاطف مع "مظلمة" مفترضة ومبهمة لم يكن لها معالم واضحة، لكن الجميع افترض مسبقا وجودها في صميم الحرب الدامية، ثم راح الجميع يتبارون في تفصيل هذه المظلمة وحشد الحجج وأحيانا فبركة وقائع لإخفاء ما هو واضح للعيان.
وحتى في الوقت الذي كانت فيه مليشيا الحوثي تطوق العاصمة صنعاء، عام 2014، وتتجهز لاقتحامها، كانت الأكثرية غير قادرة على أن تستشعر من تلك الأحداث خطر داهم يستهدف الجمهورية بل ذهب معظم الناس تقريبا في قراءة الحدث مذاهب لا تحصى: فهناك من رأى في زحف الحوثيين احتلال إيراني فارسي، وهناك من اعتبره خطر شيعي اثني عشري، وهناك من رأى فيه صراع زيدي زيدي لاستعادة السيطرة على الحكم، وآخرين اعتبروه انتفاضة شعبية لكسر شوكة مراكز النفوذ القبلية التقليدية، والبعض عده انقلابا شماليا على رئيس جنوبي، وبعضهم أخذ ما يقوله الحوثيون عن أهدافهم لاسقاط الجرعة بجدية، وقطاع كبير نظر إلى الحدث باعتباره مقطع من مخطط إقليمي يستهدف جماعة الاخوان.. والصيغة الاكثر رواجا كانت هي تلك التي راحت تتبع ما تقول أنه مخطط ينفذه الرئيس السابق باستخدام الحوثيين بهدف الانتقام من خصومه والعودة الى السلطة.
في خضم هذا الدفق المتلاطم من التعريفات والقراءات، لم تكن قضية "الجمهورية" حاضرة إلا كنغمة خافتة هامشية لا يعتد بها أحد.
المفارقة أن تأطير الصراع مع الحوثيين كصراع "جمهوري" مع "الإمامة" لا يزال حتى الآن تأطيرا هامشيا، وهذا التهميش مستمر بتأثير من عوامل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
والسؤال هو: لماذا غابت قضية الجمهورية عن الاستخدام الفعال كعنوان للصراع مع الحوثي، وكنسق للخطاب ومقياس يتميز به هذا الطرف عن ذاك؟ هل خسر هذا العنوان أهميته ولم يعد صالحا للإنضواء تحته لمواجهة الحوثيين؟ أم أن المسألة مسألة ظروف لم تصبح مواتية بعد لإعادة تشكل الصراع على نحو تكون فيه الجمهورية أساس التعبئة والاستقطاب؟