عبدالفتاح الصناعي
شعرة بين التضامن مع السعودية وضدها
لن أبالغ بالعفوية والإنسانية والمصداقية، التي تحرك المواقف الغربية كمواقف رسمية وكنخب، في إدانتها وغضبها من جريمة مقتل خاشقجي، وما تقوم به من ضغوطات مختلفة على السعودية، ولن أنفي عنها حسن النية في مواقفها انتصارا للقيم، وبنفس الوقت لا يمكننا إغفال الجانب الآخر السيء من اتخاذ القضية فرصة لبعض الابتزازات ولي العنق.
والأهم من هذا، هو ما هي الثمرة والنتيجة لكل هذه المواقف بمختلف منطلقاتها القيمية والإنسانية، ومواقف الابتزاز والاستغلال ولي العنق؟!
إن ما يجب أن ننطلق منه كأمة لها تجربتها المريرة والأليمة في أحداث مشابهة، وقفنا فيها بحالات من التناقض وانعدام الرؤية، كمواقف فكرية، وكمواقف دولية للسياسات الرسمية، ولازلنا إلى اليوم ندور في حلقة مفرغة جراء انقسامنا بين المواقف المتناقضة بتطرفاتها المبالغ بها، حتى أصبحت مثل هذه الأحداث مدمرة لنا، وتتاولى مساوئها ومضاعفاتها إلى حد كاد أن ينهينا كأمة، وتختلط الأوراق علينا وتضيع الرؤية كأشخاص يهمنا الجانب القيمي.
فهل الموقف القيمي هو استغلال الأخطاء لهدم الدول العربية واحدة تلو الأخرى؟!
أم أن الموقف القيمي والاخلاقي هو الدفاع عن الأخطاء والتبرير لها انتصارا للدولة والأمة من الانتهازات المختلفة؟!
أنتج الموقف الأول هدم دول وأنظمة كان لها أخطاؤها وإيجابياتها وسلبياتها، لصالح نفوذ وتدخل إقليمي وغربي وسيطرة جماعات دينية قادتنا إلى صراعات وجرائم أكثر توحشا وخطايا كبرى لا تغتفر، إلى حد عجزنا عن المواجهة والسيطرة، وغدت مآسي وخطايا الانظمة والدول التي وقفنا مع إنهائها، أخطاء بسيطة جدا مقارنة بالواقع اليوم، لربما يمكننا غفر تلك الاخطاء لها او الصبر عليها والمطالبة بمعالجتها أفضل بكثير مما غرقنا فيه من الدوامات والأزمات التي لم نعد نرى لها نهاية.
الموقف الثاني ينتج تقديسا للأخطاء وتزيينا لها، وتوحشا أكثر للسلطة ضد مخالفيها من القمع والتنكيل بأوهام ومبالغات تستند على نظرية المؤامرة، فتعمى السلطة عن أي مراجعات للأخطاء وينقلب الجميع إلى موظفين ومبادرين للدفاع عن هذه الأخطاء وتجميلها، فتتراكم الى حد انها تصبح كوارث وأزمات متشعبة وخلافات معقدة، فيحدث الانفجار المتوقع مبدئيا، ولكن بطريقة مفاجئة وغير محسوبة، ويخرج الوضع عن سيطرة الجميع، ثم يأتي كل المعنيين وغير المعنيين بمحاولة استغلال الانفجار والانهيار العام في تشكل واقع جديد، والكل بطريقة إعادة الأخطاء السابقة فلا احد يستطيع السيطرة إلا بطريقة مؤقتة، وتظل تتوالى الانفجارات والتحولات والتغيرات على نحو متناقض وغير ثابت.
في قضيتنا اليوم، والتي هي قضية العالم كله بتدخلاته الطبيعية وغير الطبيعة، بحق وبدون وجه حق.. فإن أي ابتزاز واستغلال لقضية مقتل خاشقجي، حتى وإن كان الأمر بدافع قيمي واخلاقي، في إحداث ضربة أو هزة او تغيير في بنية البيت الملكي ومنظومته وطريقته ذات الخصوصية الداخلية السيادية، ستؤثر بطبيعتها وطريقتها ونتائجها على بنية الدولة السعودية وطريقة إدراتها، مماقد يسهم -لاسمح الله- بخلل وصغف وانهيار في بنية الدولة وسيطرتها، ما سينتج مشاكل وأزمات انسانية واخلاقية أكثر وأكثر، ونحن نرى اليوم العواقب الوخيمة لإسقاط الدول والأنظمة التي ظن واعتقد الجميع، بأنه لغاية أخلاقية وبطريقة سلمية ولإصلاح المعالجات وإحداث انتقالات للأمام، لكن ما حدث اليوم غني عن أي شرح أو توضيح.
وإن الدفاع المبالغ به عن السعودية والبحث عن مبررات واهية، والتماهي بأوهام نظرية المؤامرة بطريقة متخلفة، سينتج أخطاء وأزمات قادمة، فحين تتجاوز السعودية هذه المحنة والأزمة بطريقة أو بأخرى، دون تحقيق الاستفادة المطلوبة من التعلم من هذه الحادثة وأخذ الدورس منها، سيجعلها تحدث تغييرات شكلية بينما تفكيرها يتجه نحو تطرفات أكثر واندافع نحو الأخطاء، ولكن بطرق أكثر التواء وأكثر دقة وذكاء وحكمة في ممارستها، بالوقت الذي نحتاج الحكمة والدقة والذكاء في المراجعات لا في ممارسة الأخطاء، وهنا ستتمكن السعودية من احداث سيطرة وقوة مؤقتة، لكن العواقب حتما ستكون مؤلمة للجميع.. بينما من المفترض أخذ الدرس من هذه الحادثة لإحداث تغيير جوهري في طريقة التفكير ومراجعة مختلف الأخطاء.. وجعل هذه الحادثة فرصة للمراجعات والتغييرات الجذرية المطلوبة، وإحداث الجمع بين الأمن القومي والسيطرة القوية بالتناغم مع الجانب الاخلاقي والإنساني، فتحدث انفراجات حقيقية وواضحة للقضايا العالقة، وتحرر من أي ابتزاز أو استغلال رخيص لمثل هذه القضايا.
نحن مع الضغط القيمي والاخلاقي على السعودية لتعرف بأنها بطريقة أو بأخرى أرادت أو لم ترد قد وقعت في خطأ كبير جدا وموحش، وهي ملزمة بإحداث تغيير بمنطلقات التفكير والمنهجية الهمجية في التعامل مع القضايا، وإحداث تغييرات جذرية فيها كقضايا وتفكير وتعامل كمبادئ عامة..
وبنفس الوقت نحن ضد الاستغلال الرخيص والتدخل التفصيلي والسيادي بأمور داخلية تخص السعودية، وضد أي ضغوط واستغلال للي عنق المملكة تحت ذريعة هذا الخطأ الذي حدث، لأن هذا ما سوف ينتج أخطاء أكثر كارثية ونحن نقف على تجارب كثيرة مؤلمة نرى كيف كانت نهاية مثل هذه التوجهات.
فبين ابتزاز السعودية وتدميرها.. وبين مراجعتها ونصحها شعرة.. يجب أن نتخلى عن أي سذاجة وتطرف يمنعنا من إحكام هذه الدقة والاتزان للمحافظة عن هذه الشعرة.. فبسبب عدم دقتنا ومحافظتنا على هذه الشعرة قد خسرنا الكثير من الدول العربية فشاركنا بهدمها.. لربما أحيانا بحسن نية واعتقادنا بأننا بالموقف الصح.