لا غرابة ولا داعي للاستغراب المصطنع في شيء هو تحصيل حاصل لواقعنا العربي الذي يُرثى له، ولذا لا داعي للإسهاب في شرح كيف، ولماذا، فعلاقة السلطنة بالكيان الصهيوني المثيرة للجدل بين متفقٍ مع موقف الحكومة البراغماتي من كيان قائم شئنا أم أبينا وبين رافض لأي إشارة تطبيع أو إيماءة ترحيب بهذا العدو المغروس في قلب الأمة، فضلا عن علاقة دبلوماسية تجارية.
منذ بداية السبعينات والسلطنة قد رسمت لنفسها نهجا متفردا في التعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي تحكمه مبادئ المنفعة والمصلحة السياسية، التي لا ترى بأساً في إقامة علاقات ثنائية طبيعية مع اسرائيل والاستفادة من خبراتها واقتصادها، في الوقت الذي تحتل فيه قواتها أراضي ثلاث دول عربية. وقد حافظت حكومة عمان على هذا النهج حتى وإن كان ذلك يعني الخروج عن الصف العربي في كثير من الأحيان وتحمل الانتقاد من الحكومات والشعوب العربية بما فيها الشعب العماني ذاته، أما اليوم وخصوصاً بعد ما سُمي الربيع العربي والذي أراه المفتاح السحري الذي وقع بيد إسرائيل للوصول للمبتغى من تطبيع واعتراف وخلق علاقات، فلن يكون الانتقاد لزيارة نتنياهو واستقبال السلطان قابوس، حاداً.. بل لن نسمع تلك الجلبة الإعلامية التي كانت تحدث في الماضي، خصوصاً كما حدث بعد زيارة رابين لمسقط في 1994م، لسبب بسيط وهو أن الأنظمة العربية أصبحت تتسابق في مارثون العمالة والتطبيع، سواءً بالسر أوبالعلن.
لم تعد السلطنة هي الوحيدة في هذا الواقع المفروض قسراً على العرب، فكما فتحت قطر مكتب علاقات تجارية مع الصهاينة 1996، سبقها وتلاها افتتاح عدد من مكاتب التعاون الاقتصادي والتجاري بل وحتى الأمني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على امتداد الوطن العربي.. فالعرب المتوجسون من بعض والمتميزون في خيانة بعضهم بعضاً مستعدون لعمل أي شيء في سبيل البقاء، وفي سبيل الحصول على حلفاء يدفعون عنهم ما يهدد سلطانهم، ولأن الأنظمة العربية أصلاً للنفاق ومنبع لكل سقطات الزمان، يتشدقون ظاهرياً بحقوق فلسطين وشعبها، ويغتالون القضية الفلسطينية من تحت الطاولة بعلاقات ثنائية سرية، بدأت اليوم تظهر للعلن، وكأن لسان حالهم يقول "تطبيع وعلاقات في العلن، خير من خيانات وشعارات في السر".
لن نقول إنها تسيء إلى السلطنة وتناقض موقف شعبها المتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني كقضية عربية إسلامية وإنسانية في المقام الأول، لأنه لم يعد هنا من يهتم أصلاً بفلسطين ولم تعد هي القضية المركزية الأولى عربياً، فخلال ثماني سنوات من الربيع العبري الذي أصاب بعض الدول العربية، جعل المواطن العربي مشغولاً بقضاياه الداخلية، ومكابدة متطلبات المعيشة، كما أحال الأنظمة السياسية إلى أعداء ظاهرين يعتدي بعضهم على بعض ويتآمر كل طرف على الآخر، ومن يفهم الأحداث وتسلسلها سيجد أن التطبيع سيصبح واقعاً منذ كانت شعارات الربيع العبري "مستعدون للتحالف مع الشيطان وليس مع إسرائيل فقط في سبيل الخلاص من هذه الأنظمة".
الأمر الذي نستغربه هو عودة العلاقات شبه المنقطعة منذ سنوات، فالسلطنة كانت وما زالت محطة عبور للتفاهمات السياسية لمعظم الملفات الشائكة والقضايا المعقدة لما تتميز به السلطنة من حالة "توّحد" وانطواء وسرية تامة فيما تقوم به، وما كان الاتفاق النووي الإيراني إلا ثمرة من ثمرات لقاءات مسقط السرية ونتاج سياساتها التوفيقية بين المختلفين، فهل يا ترى زيارة رئيس وزراء إسرائيل للسلطنة مجرد تأكيد عابر عن العلاقات الإسرائيلية العُمانية، أم أنها بداية انطلاقة لمساع عمانية تقريبية بين "تل أبيب" و"طهران"، فكما أوكل الصهاينة والغرب ملف التخريب لـقطر وتنظيم الإخوان ما زال يوك ملف التوافقات السرية لعُمان.