جلال محمد

جلال محمد

ثقوا أن اليمن سيمضي متمسكاً بجذوره متحصناً من فكركم

Friday 02 November 2018 الساعة 03:23 pm

يكشف الواقع لنا يوماً بعد آخر النرجسية الكاذبة التي تحملها غالبية العقول التي تُدير وتوجه سلطات الأمر الواقع والمنتمين لجماعة الحوثي بشكل عام، وما تعشش به عقولهم بأنهم شيء أكبر من الشعب، ورأيهم الصواب، وفعلهم الخير رغم كل السوء الذي نعانيه بسبب هذه العقليات والأوهام التي يعيشونها، ولا تستغرب أخي القارئ وأنت تجالس أحدهم وتسمعه يضع لسيدهم وجماعتهم بل لنفسه حسابات كثيرة، ومعقدة حتى يساوره الظن بأنه أصبح أعلى من الوطن والشعب، وأن وعيه أكبر من عقول الآخرين، وأنه وحده القادر على صنع صيفها وشتائها، متناسياً أنه سيأتي يوم يكتشف أنه كمن يقف على قمة جبل: يرى نفسه كبيراً وكل من تحت الجبل صغاراً، فيما يجمع الناس كلهم أنهم الكبار وهو وحده الصغير بحجم حشرة دقيقة..

كل ما جرى ويجري في اليمن يجعلنا نستخلص العبر الكبيرة، وكان يفترض بهذه الجماعة أن تقرأ التأريخ وتستزيد منه لتعرف ما هي سنة الله في الأرض وما هي عاقبة القافزين فوق إرادة الشعوب مهما كان صبر الشعب، إلا أنه لا يؤمن جانبه تجاه من أذله وأهانه.

كان حريّا بهم.. أن يفطنوا لحقيقة واضحة وهي أن من رفعوا أسلحتهم بوجه إرادة الملايين من أبناء الشعب، وظنوا أنهم قادرون على تركيع الشعب رغم تدمير الدولة بكل مقوماتها المؤسسية، وقوانينها، وأجهزتها الدستورية، وثقلها الداخلي والخارجي بلا شك يعيشون غياهب الأحلام، وسيدركون ذات يوم أن اليمن شقّت سبيلها للمستقبل الجمهوري الحر الذي لا طبقية فيه ولا سلالية، وأنهم وحدهم سيلفظهم الواقع والمستقبل ما داموا متمسكين بالماضي ومكابرين بالباطل وعاشقين للقمع والتقوقع الفكري، كان عليهم أن يفهموا أن الشعب لا يمكن حكمه بهذه الطريقة والمنهاج الذي يتبعونه، فالشعب تخطاهم ويكفي أنهم دمروا تلك الهالة التي كانت باقية لهم من توقير واحترام اجتماعي، إلا أن كبرياءهم وعنجهيتهم وتنفيذهم للأجندة الخارجية سترميهم وتلحقهم في صفحة مطوية من تاريخ سلالي بائد.

وها نحن اليوم وقد رأينا كل الدمار الذي نشروه وتسببوا فيه بشكل مباشر أوغير مباشر، ونشاهد المعاناة التي صنعوها بغباء وحقد لا يماثلهم شيء في الكون، نقول لهم، لقد تعايش الشعب طيلة تاريخه المجيد دون النظر للطبقية أو العرقية والمذهبية، إلا في فترات حكم سلالتكم، ورغم ما ارتكبتموه غفر الشعب وتعايش معكم بعد ثورة الشعب الخالدة 26 سبتمبر، وها هو الشعب يتجرع مرة أخرى حقدكم ويختنق بنتن استعلائكم، لكنه لن يفرط في تعايشه السلمي بعد زوالكم ولن يأخذ أحد غررتموه أو صدق كذبكم في لحظة نشوة عابرة.

وكان حريّا بكم مرة أخرى أن تدركوا شيئا واحدا وهو، شئتم أم أبيتم.. ستمضي اليمن بملايينها، بهمم وتضحيات الشرفاء إلى ما تصبو إليه من غير أن توقفها الجراحات والدمار الذي تقومون به.. وثقوا أنكم لن تعكروا صفو إرادة أبناء اليمن بفقاعات الأكاذيب واجترار الماضي والتمترس بالدين.. وعليكم أن تثقوا أن اليمن لن يكبح جماح تقدمها وخروجها منتصرة قوية كطائر الفينيق، عصبة من اللاهثين في أقبية الفساد والعنصرية.. فلم يسبق للتاريخ أن عاد إلى الوراء، أوجرفه الحنين لسراديب التخلف والظلم والكهنوت.

ما تعانيه اليمن في ظل جماعات الإسلام السياسي لا شك معركة صعبة، لكننا نستطيع كسبها، وسنعالج الأخطاء التي تسببت في ظهور من وأد الشعب فكره وظلمه واستعلاءه، وسيبني الشعب وطنه ويعزز من ثقافته الوطنية ويتمسك بهويته القومية العروبية التي سيتحصن بها ويحصن الأجيال القادمة من كل ما يشير مجرد إشارة إلى السلالية والاصطفاء المغلوط، وحينها سيكون اليمن الذي نريد، اليمن الذي يتقبل كل من آمن به، وبسواسية كل أفراد المجتمع ومدنية دولته وسيادة نظامه وقانونه.